للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصْلُ فى ذلك نَهْىُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لُبْسِ العَمَائِمِ والبَرَانِسِ (١). وقَوْلُه فى المُحْرِمِ الذى وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُه: "لَا تُخَمِّرُوا رَأْسَه، فَإنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا" (٢). عَلَّلَ مَنْعَ تَخْمِيرِ رَأْسِه بِبَقَائِه على إحْرَامِه، فعُلِمَ أنَّ المُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِن (٣) ذلك. وكان ابنُ عمرَ يقولُ: إحْرَامُ الرَّجُلِ فى رَأْسِه. وذَكَرَ القاضى، فى "الشَّرْحِ"، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إحْرَامُ الرَّجُلِ فى رَأْسِه، وإحْرَامُ المَرْأةِ فِى وَجْهِهَا" (٤). وأنَّه عليه السَّلَامُ نَهَى أنْ يَشُدَّ المُحْرِمُ رَأْسَه بالسَّيْرِ. وقولُ الْخِرَقِىِّ: "والأُذُنَانِ مِن الرَّأْسِ". فائِدَتُه تَحْرِيمُ تَغْطِيَتِهمَا. وأباحَ ذلك الشَّافِعِىُّ. وقد رُوِىَ عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه قال: "الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ" (٥). وقد ذَكَرْنَاهُ فى الطَّهارَةِ. وإذا ثَبَتَ هذا فإنَّه يُمْنَعُ من تَغْطِيَةِ بعضِ رَأْسِه، كما يُمْنَعُ من تَغْطِيَةِ جَمِيعِه؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ" (٢). والمَنْهِىُّ عنه يَحْرُمُ فِعْلُ بَعْضِه، ولذلك لمَّا قال تعالى: {وَلَا تَحْلِقُواْ رُءُوسَكُمْ} (٧). حَرُمَ حَلْقُ بَعْضِه. وسَوَاءٌ غَطَّاهُ بِالمَلْبُوسِ المُعْتَادِ أو بغيرِه، مثل أن عَصَبَهُ بِعِصَابَةٍ، أو شَدَّهُ بِسَيْرٍ، أو جَعَلَ عليه قِرْطاسًا فيه دَوَاءٌ أو لا دَوَاءَ فيه، أو خَضَبَهُ بِحِنَّاءٍ، أو طَلَاهُ بِطِينٍ أو نُورَةٍ، أو جَعَلَ عليه دَوَاءً، فإنَّ جَمِيعَ ذلك سَتْرٌ له، وهو مَمْنُوعٌ منه. وسَوَاء كان ذلك لِعُذْرٍ أو غيرِه؛ فإنَّ العُذْرَ لا يُسْقِطُ الفِدْيَةَ، بِدَلِيلِ قَوْلِه تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُم مَرِيضًا أوْ بِهِ أَذّى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} (٦). وقِصَّةِ كَعْبِ بن عُجْرَةَ. وبهذا كلِّه قال الشَّافِعِىُّ. وكان عَطاءٌ يُرَخِّصُ فى العِصابَةِ من الضَّرُورَةِ. والصَّحِيحُ أنَّه لا تَسْقُطُ الفِدْيَةُ عنه بِالعُذْرِ، كما


(١) تقدم تخريجه فى صفحة ١١٩.
(٢) تقدم تخريجه فى ٣/ ٣٧٦.
(٣) سقط من: ب، م.
(٤) أخرجه الدارقطنى، فى: كتاب الحج. سنن الدارقطنى ٢/ ٢٩٤. والبيهقى، فى: باب المرأة لا تنتقب. . .، من كتاب الحج. السنن الكبرى ٥/ ٤٧.
(٥) تقدم تخريجه فى ١/ ١٥٠.
(٦) سورة البقرة ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>