للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالت: دَخَلْتُ مع نِسْوَةٍ من قُرَيْشٍ دَارَ آل أبى حُسَيْنٍ، ننْظُرُ إلى رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يَسْعَى بين الصَّفَا والمَرْوَةِ، وإنَّ مِئْزَرَهُ ليَدُورُ فى وَسَطِه مِن شِدَّةِ سَعْيِه، حتى إنِّى لَأَقُولُ: إنِّى لأَرَى رُكْبَتَيْهِ. وسَمِعْتُه يَقُولُ: "اسْعُوا، فَإنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْىَ". رَوَاهُ ابنُ مَاجَه (٧). ولأنَّه نُسُكٌ فى الحَجِّ والعُمْرَةِ، فكان رُكْنًا فيهما، كالطَّوَافِ بِالبَيْتِ. ورُوِىَ عن أحمدَ أنَّه سُنَّةٌ، لا يَجِبُ بِتَرْكِهِ دَمٌ. رُوِىَ ذلك عن ابنِ عَبَّاسٍ، وأنَسٍ، وابنِ الزُّبَيْرِ، وابنِ سِيرِينَ؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (٨). ونَفْىُ الحَرَجِ عن فَاعِلِهِ دَلِيلٌ على عَدَمِ وُجُوبِه، فإنَّ هذا رُتْبَةُ المُبَاحِ، وإنَّما ثَبَتَ سُنِّيَّتُه بِقَوْلِه: {مِنْ شَعَائِر اللهِ}. وَرُوِىَ أنَّ فى مُصْحَفِ أُبَىٍّ وابنِ مسعودٍ: "فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا". وهذا إن لم يَكُنْ قُرْآنًا فلا يَنْحَطُّ عن رُتْبَةِ الخَبَرِ؛ لأنَّهما يَرْوِيَانِه عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأنَّه نُسُكٌ ذو عَدَدٍ لا يَتَعَلَّقُ بِالبَيْتِ، فلم يَكُنْ رُكْنًا كَالرَّمْىِ. وقال القَاضِى: هو وَاجِبٌ. ولَيْسَ بِرُكْنٍ، إذا تَرَكَهُ وَجَبَ عليه دَمٌ. وهو مذهبُ الحسنِ، وأبي حنيفةَ، والثَّوْرِىِّ. وهو أوْلَى؛ لأنَّ دَلِيلَ مَن أوْجَبَهُ دَلَّ على مُطْلَقِ الوُجُوبِ، لا على كَوْنِه لا يَتِمُّ الحَجُّ إلَّا به. وقَوْلُ عائشةَ فى ذلك مُعَارَضٌ بِقَوْلِ مَنْ خَالَفَها مِن الصَّحَابَةِ. وحَدِيثُ بِنْتِ أبي تَجْرَاةَ، قال ابنُ المُنْذِرِ: يَرْوِيهِ عبْدُ اللهِ بن المُؤَمَّل، وقد تَكَلَّمُوا فى حَدِيثِه. ثم إنَّه (٩) يَدُلُّ على أنَّه مَكْتُوبٌ، وهو الوَاجِبُ. وأمَّا الآيَةُ فإنَّها نَزَلَتْ لمَّا تَحَرَّجَ نَاسٌ من السَّعْىِ فى الإسلامِ، لِمَا كانوا يَطُوفُونَ بينهما فى الجَاهِلِيَّةِ، لأجْلِ صَنَمَيْنِ كانا على الصَّفَا والمَرْوَةِ. كذلك قالت عائشةُ.


(٧) ليس فى سنن ابن ماجه، وقد نبه إلى هذا الألبانى، فى إرواء الغليل ٤/ ٢٧٠. والحديث أخرجه البيهقى، فى: باب وجوب الطواف بين الصفا والمروة، من كتاب الحج. السنن الكبرى ٥/ ٩٧، ٩٨. والإمام أحمد، فى: المسند ٦/ ٤٢٢. والدارقطنى، فى: باب المواقيت، من كتاب الحج. سنن الدارقطنى ٢/ ٢٥٦. والحاكم، فى: باب ذكر حبيبة بنت أبى تجراة، من كتاب معرفة الصحابة. المستدرك ٤/ ٧٠.
(٨) سورة البقرة ١٥٨.
(٩) فى أ، ب، م: "هو".

<<  <  ج: ص:  >  >>