للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَنِىَّ. قال: فقامَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: "قَدْ عَلِمْتُمْ أنِّى أَثْقَاكُمْ للهِ، وأَصْدَقُكُمْ، وأَبَرُّكُمْ، ولَوْلَا هَدْيِى لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ، فَحِلُّوا، ولَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا أهْدَيْتُ". قال: فَحَلَلْنَا، وسَمِعْنَا، وأطَعْنَا قال: فقال سُرَاقَةُ بن مَالِكِ بن جُعْشُمٍ المُدْلِجِىُّ: مُتْعَتُنا هذه يا رسوِلَ اللهِ لِعَامِنا هذا، أم لِلْأَبَدِ؟ فظَنَّهُ مُحمدُ بن بكر، أنَّه قال: "لِلْأَبَدِ". مُتَّفَقٌ عليه (١١). فأمَّا حَدِيثُهم، فقال أحمدُ: رَوَى هذا الحديثَ الحَارِثُ بن بِلَالٍ، فَمَنِ الحَارِثُ بن بِلَالٍ؟ يَعْنِى أنَّه مَجْهُولٌ. ولم يَرْوِهِ إلَّا الدَّرَاورْدِىُّ، وحَدِيثُ أبي ذَرٍّ رَوَاهُ مُرَقِّع الأُسَيِّدىّ، فمَنْ مُرَقِّع الأُسَيِّدِىّ! شَاعِرٌ من أهْلِ الكُوفَةِ، ولم يَلْقَ أبا ذَرٍّ. فقِيلَ له: أفليس قد رَوَى الأعْمَشُ عن إبراهِيمَ التَّيْمِىّ، عن أبِيهِ، عن أبي ذَرٍّ؟ قال: كانت مُتْعَةُ الحَجِّ لنا خَاصَّةً أصْحَابَ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال: أفَيَقُولُ بهَذا أحدٌ؟ المُتْعَةُ فى كتابِ اللهِ، وقد أجْمعَ الناسُ على أنَّها جائزةٌ. قالَ الْجُوزَجَانِىُّ: مُرَقِّع الأسَيِّدىُّ لَيْس بِمَشْهُورٍ (١٢)، ومثلُ هذه الأحادِيث فى ضَعْفِها وجَهَالَةِ رُوَاتِهَا، لا تُقْبَلُ إذا انْفَرَدَتْ، فكَيْفَ تُقْبَلُ فى رَدِّ حُكْمٍ ثَابِتٍ بِالتَّوَاتُرِ! مع أنَّ قَوْلَ أبِى ذَرٍّ مِن رَأْيِهِ، وقد خَالَفَهُ مَن هو أعْلَمُ منه، وقد شَذَّ به عن الصَّحابَةِ، رَضِىَ اللَّه عنهم، فلا يُلْتَفَتُ إلى هذا، وقد اخْتَلَفَ لَفْظُهُ، ففِى أَصَحِّ الطَّرِيقَيْنِ عنه قولُه مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّه تعالى، وقولِ رسولِ اللهِ، وإجْماعِ المُسْلِمِينَ، وسُنَنِ رسولِ


(١١) أخرجه البخارى، فى: باب تقضى الحائض المناسك كلها. . .، من كتاب الحجّ، وفى: باب عمرة التنعيم، من كتاب العمرة، وفى: باب الاشتراك فى الهدى. . .، من كتاب الشركة، وفى: باب قول النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لو استقبلت. . .، من كتاب التمنى، وفى: باب نهى النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على التحريم. . .، من كتاب الاعتصام. صحيح البخارى ٢/ ١٩٥، ١٩٦، ٣/ ٤، ٥، ١٨٥، ٩/ ١٠٣، ١٣٧. ومسلم، فى: باب وجوه الإحرام. . .، من كتاب الحجّ. صحيح مسلم ٢/ ٨٨٣، ٨٨٤.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب إفراد الحجّ، من كتاب المناسك. سنن أبي داود ١/ ٤١٥. والنسائى، فى: باب إباحة فسخ الحجّ. . .، من كتاب المناسك. المجتبى ٥/ ١٤٠. وابن ماجه، فى: باب فسخ الحجّ، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه ٢/ ٩٩٢. والإمام أحمد، فى: المسند ٣/ ٣٠٥، ٣١٧، ٣٦٦.
(١٢) فى الأصل: "بالمشهور".

<<  <  ج: ص:  >  >>