للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الماءِ فيه، يُعِدُّونَهُ لِيَوْمِ عَرَفَةَ. وقِيلَ: سُمِّىَ بذلك، لأنَّ إبراهيمَ عليه السَّلامُ رَأَى لَيْلَتَئِذٍ فى المَنَامِ ذَبْحَ ابْنِه، فأصْبَحَ يَرْوِى فى نَفْسِه أهو حُلْمٌ أم من اللهِ تعالَى؟ فَسُمِّىَ يَوْمَ التَّرْوِيةِ، فلما كانتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ رَأى ذلك أيضًا، فعَرَفَ أنَّه من اللهِ تعالى، فسُمِّىَ يَوْمَ عَرَفَةَ، واللهُ أعلمُ. والمُسْتَحَبُّ لمن كان بمَكَّةَ حَلالًا من المُتَمَتِّعِينَ الذين حَلُّوا من عُمْرَتِهِمْ (٢)، أو مَن كان مُقِيمًا بمَكَّةَ من أهْلِها، أو من غَيْرِهم، أن يُحْرِمُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ حين يَتَوَجَّهُونَ إلى مِنًى. وبهذا قال ابنُ عمرَ، وابنُ عَبّاسٍ، وعَطاءٌ، وطاوُسٌ، وسَعِيدُ بن جُبَيْرٍ، وإسحاقُ. وقد رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه قال لأهْلِ مَكَّةَ: ما لَكُم يَقْدَمُ النَّاسُ عَليكم شُعْثًا! إذا رَأَيْتُم الهِلالَ فأهِلُّوا بالحَجِّ. وهذا مذهبُ ابنِ الزُّبَيْرِ. وقال مَالِكٌ: مَن كان بمَكَّةَ، فأحَبُّ (٣) أن يُهِلَّ من المسجدِ لِهِلالِ ذى الحِجَّةِ. ولَنا، قَوْلُ جابِرٍ: فلمَّا كان يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلى مِنًى، فأهَلُّوا بِالحَجِّ. وفى لَفْظٍ عن جابرٍ، قال: أمَرَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لمَّا حَلَلْنَا، أن نُحْرِمَ إذا تَوَجَّهْنَا إلى مِنًى، فأهْلَلْنا من الأبْطَحِ، حتَّى إذا كان يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، [و] (٤) جَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ، أهْلَلْنا بِالحَجِّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٥). وعن عُبَيْد ابن جُرَيْجٍ، أَنَّه قال لِعَبْدِ اللهِ بن عمرَ: رأيْتُك إذا كُنْتَ بمَكَّةَ، أهَلَّ النّاسُ ولم تُهِلَّ أنْتَ، حتَّى يكونَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ؟ فقال عبدُ اللهِ بن عمرَ: أمَّا الإِهْلَالُ، فإنِّى لم أرَ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهِلُّ حتَّى تَنْبَعِثَ به رَاحِلَتُه. مُتَّفَقٌ عليه (٦). ولأنَّه مِيقاتٌ


(٢) فى الأصل: "عمرهم".
(٣) أى: أحَبُّ إلىَّ.
(٤) من صحيح مسلم.
(٥) فى: باب بيان وجوه الإحرام. . .، من كتاب الحجّ. صحيح مسلم ٢/ ٨٨٢، ٨٨٥.
كما أخرجه البخارى، فى: باب الإهلال من البطحاء. . .، من كتاب الحجّ. صحيح البخارى ٢/ ١٩٧. والإمام أحمد، فى: المسند ٣/ ٣١٨، ٣٧٨.
(٦) تقدَّم تخريجه فى صفحة ٨١، وهو بهذا اللَّفظِ عند مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>