للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَوْمَ عَرَفَة، فيُقِيمَ بِنَمِرَة، وإن شاءَ بِعَرَفَةَ، حتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، ثم يَخْطُبَ الإمامُ خُطْبَةً، يُعَلِّمُ النَّاسَ فيها مَنَاسِكَهم، من مَوْضِعِ الوُقُوفِ وَوَقْتِه، والدَّفْعِ من عَرَفَات، ومَبِيتِهم بمُزْدَلِفَةَ، وأخْذِ الحَصَى لِرَمْىِ الجِمَارِ؛ لما تَقَدَّمَ فى حديثِ جابِرٍ، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَ ذلك (١)، ثمَّ يَأْمُرُ بالأذانِ، فيَنْزِلُ فَيُصَلِّى الظُّهْرَ والعَصْرَ، يَجْمَعُ بينهما، ويُقِيمُ لِكُلِّ صلاةٍ إقَامَةً. وقال أبو ثَوْرٍ: يُؤَذِّنُ المُؤذِّنُ إذا صَعِدَ الإِمام المِنْبَرَ فجَلَسَ، فإذا فَرَغَ المُؤذِّنُ، قامَ الإِمامُ فخَطَبَ. وقِيلَ: يُؤَذِّنُ فى آخِرِ خُطْبَة الإِمام. وحديثُ جابِرٍ يَدُلُّ على أنَّه أذَّنَ بعدَ فَرَاغِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خُطْبَتِه. وكيفما فعل فحَسَنٌ. وقَوْلُه: "وإن أذَّنَ فلا بَأْسَ". كأنَّه ذهبَ إلى أنَّه مُخَيَّرٌ بين أن يُؤَذِّنَ لِلْأُولَى أو لا يُؤَذِّنَ. وكذا قال أحمدُ؛ لأنَّ كُلًّا مَرْوِىٌّ عن رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. والأذانُ أوْلَى. وهو قَوْلُ الشَّافِعِىِّ، وأبي ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وقال مَالِكٌ: يُؤَذِّنُ لِكُلِّ صلاةٍ. واتِّبَاعُ ما جَاءَ فى السُّنَّةِ أَوْلَى، وهو مع ذلك مُوَافِقٌ لِلْقِياسِ، كما فى سَائِرِ المَجْمُوعاتِ والفَوَائِتِ. وقَوْلُ الخِرَقِىِّ: "فإن فَاتَهُ مع الإِمامِ صَلَّى فى رَحْلِه". يَعْنِى أنَّ المُنْفَرِدَ (٢) يَجْمَعُ كما يَجْمَعُ مع الإمامِ، فَعَلَهُ ابنُ عمرَ. وبه قال عَطاءٌ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وصاحِبا أبي حنيفةَ. وقال النَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ: لا يَجْمَعُ إلَّا مع الإمامِ؛ [لأنَّ لكلِّ صلاةٍ وَقْتًا مَحْدُودًا، وإنَّما تُرِكَ ذلك فى الجَمْعِ مع الإمامِ] (٣)، فإذا لم يكنْ إمامٌ، رَجَعْنَا إلى الأصْلِ. ولَنا، أنَّ ابنَ عمرَ كان إذا فَاتهُ الجَمْعُ بين الظهرِ والعصرِ، مع الإمامِ بِعَرَفَةَ، جَمَعَ بينهما مُنْفَرِدًا. ولأنَّ كلَّ جمعٍ جازَ مع الإِمامِ جازَ مُنْفَرِدًا، كالجَمْعِ بين العِشاءَيْنِ بجَمْعٍ (٤). وقَوْلُهم: إنَّما جازَ الجَمْعُ فى الجماعةِ. لا يَصِحُّ؛ لأنَّهم قد سَلَّمُوا أنَّ الإِمامَ يَجْمَعُ وإن كان مُنْفَرِدًا.


(١) تقدَّم تخريج الحديث فى صفحة ١٥٦.
(٢) فى أ، ب، م: "المفرد".
(٣) سقط من: ب، م.
(٤) جمع: المزدلفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>