للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنًى. وهذا قَوْلُ ابنِ عمرَ، وعائشةَ، وعُرْوَةَ، وعُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ، والزُّهْرِىِّ، ومَالِكٍ، والأوْزَاعِىِّ، وإسحاقَ، والشَّافِعِىِّ فى القَدِيمِ؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ، وعائشةُ، قالا: لم يُرَخَّصْ فى أيَّامِ التَّشْرِيقِ أنْ يُصَمْنَ إلَّا لمن لم يَجِدِ الهَدْىَ. رَوَاهُ البُخَارِىُّ (٤). وهذا يَنْصَرِفُ إلى تَرْخِيصِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ولأنَّ اللهَ تعالى أمَرَ بِصِيَامِ الثَّلاثةِ فى الحَجِّ، ولم يَبْقَ من أيَّامِ الحَجِّ إلَّا هذه الأَيَّامُ، فيَتَعَيَّنُ الصَّوْمُ فيها. فإذا صامَ هذه الأَيَّامَ، فَحُكْمُه حُكْمُ مَن صامَ قبلَ يَوْمِ النَّحْرِ. وعن أحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى، لا يَصُومُ أَيَّامَ مِنًى. رُوِىَ ذلك عن علىٍّ، والحسنِ، وعَطاءٍ. وهو قَوْلُ ابنِ المُنْذِرِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ، ذَكَرَ منها أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وقال عليه السَّلَامُ: "إنَّهَا أيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ" (٥). ولأنَّها لا يجوزُ فيها صَوْمُ النَّفْلِ، فلا يَصُومُها عن الهَدْىِ، كيَوْمِ النَّحْرِ. فعلى هذه الرِّوَايَةِ، يَصُومُ بعدَ ذلك عَشَرَةَ أَيَّامٍ. وكذلك الحُكْمُ إذا قُلنا: يَصُومُ أيَّامَ مِنًى فلم يَصُمْهَا. واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عن أحمدَ فى وُجُوبِ الدَّمِ عليه، فعنه عليه دَمٌ؛ لأنَّه أَخَّرَ الوَاجِبَ من مَنَاسِكِ الحَجِّ عن وَقْتِه، فلَزِمَهُ دَمٌ، كَرَمْى الجِمارِ، ولا فَرْقَ بين المُؤَخِّرِ لِعُذْرٍ، أو لغيرِه، لما ذَكَرْنَا. وقال القاضى: إنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ، ليس عليه إلَّا قَضَاؤُه؛ لأنَّ الدَّمَ الذى هو المُبْدَل، لو أَخَّرَهُ (٦) لِعُذْرٍ، لا دَمَ عليه لِتَأْخِيرِه، فَالبَدَلُ أوْلَى. وَرُوِىَ عن أحمدَ لا يَلْزَمُه مع الصَّوْمِ دَمٌ بحالٍ. وهذا اخْتِيَارُ أبى الخَطَّابِ، ومَذْهَبُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه


(٤) فى: باب من ساق البدن معه، من كتاب الحج. صحيح البخارى ٢/ ٢٠٥، ٢٠٦.
كما أخرجه بلفظه البيهقى، فى: باب من رَخص للمتمتع فى صيام أيام التشريق. . .، من كتاب الصيام. السنن الكبرى ٤/ ٢٩٨.
(٥) أخرجه مسلم، فى: باب تحريم صوم أيام التشريق، من كتاب الصيام. صحيح مسلم ٢/ ٨٠٠. وأبو داود، فى: باب صيام أيام التشريق، من كتاب الصيام. سنن أبى داود ١/ ٥٦٤. والنسائى، فى: باب تأويل قوله عز وجل: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا} .. ، من كتاب الإيمان. المجتبى ٨/ ٩٢. والإِمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٢٢٩, ٣/ ٤٥١، ٤٦٠، ٤/ ٣٣٥، ٥/ ٧٥، ٧٦.
(٦) فى الأصل: "أحرم".

<<  <  ج: ص:  >  >>