للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِقَوْلِه عليه السَّلَامُ: "عُفِىَ لأُمَّتِى عَنِ الخَطَأِ والنِّسْيَانِ" (٥). ولَنا، أنَّه إتْلَافٌ، فاسْتَوَى عَمْدُهُ وخَطَأُهُ، كقَتْلِ الصَّيْدِ، ولأنَّ اللهَ تعالى أَوْجَبَ الفِدْيَةَ على مَن حَلَقَ رَأْسَهُ لأَذًى به وهو مَعْذُورٌ، فكان ذلك تَنْبِيهًا على وُجُوبِها على غيرِ المَعْذُورِ، ودَلِيلًا على وُجُوبِها على المَعْذُورِ بِنَوْعٍ آخَرَ، مِثْلُ المُحْتَجِمِ الذى يَحْلِقُ مَوْضِعَ مَحاجِمِه، أو شَعْرًا عن شَجَّتِه، وفى مَعْنَى النّاسِى النَّائِمُ الذى يَقْلَعُ شَعْرَهُ، أو يُصَوِّبُ شَعْرَهُ إلى تَنُّورٍ فيَحْرِقُ لَهَبُ النّارِ شَعْرَهُ، ونحوُ ذلك. الفصل الثالث، أنَّ الفِدْيَةَ هى أحدُ (٦) الثَّلَاثَةِ المَذْكُورَةِ فى الآيةِ والخَبَرِ، أيُّها شاءَ فَعَلَ، لأنَّه أُمِرَ بها بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ، ولا فَرْقَ فى ذلك بين المَعْذُورِ وغيرِه، والعَامِدِ والمُخْطِئ. وهو مذهبُ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ. وعن أحمدَ، أنَّه إذا حَلَقَ لغير عُذْرٍ فعليه الدَّمُ، مِن غيرِ تَخْيِيرٍ. وهو مذهبُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى خَيَّرَ بَشَرْطِ العُذْرِ، فإذا عُدِمَ الشَّرْطُ وَجَبَ زَوالُ التَّخْيِيرِ. ولنَا، أنَّ الحُكْمَ ثَبَتَ (٧) فى غيرِ المَعْذُورِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ تَبَعًا له، والتَّبَعُ لا يُخالِفُ أصْلَهُ، ولأنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ ثَبَتَ التَّخْيِيرُ فيها إذا كان سَبَبُها مُبَاحًا ثَبَتَ كذلك إذا كان مَحْظُورًا، كجَزَاءِ الصَّيْدِ، ولا فَرْقَ بين قَتْلِه لِلضَّرُورَةِ إلى أكْلِه، أو لغيرِ ذلك، وإنَّما الشَّرْطُ لِجَوَازِ الحَلْقِ لا للتَّخْيِير. الفصل الرابع، أن القَدْرَ الذى يَجِبُ به الدَّمُ أرْبَعُ شَعَرَاتٍ فصاعِدًا، وفيه رِوَايَةٌ أُخْرَى، يَجِبُ فى الثَّلَاثِ ما فى حَلْقِ الرَّأْسِ. قال القاضى: هو المذهبُ. وهو قَوْلُ الحسنِ، وعَطاءٍ، وابنِ عُيَيْنَةَ، والشَّافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ؛ لأنَّه شَعْرُ آدَمِىٍّ يَقَعُ عليه اسْمُ الجَمْعِ المُطْلَق، فجازَ أن يَتَعَلَّقَ به الدَّمُ كالرُّبْعِ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَجِبُ الدَّمُ بدون رُبْعِ الرَّأْسِ؛ لأنَّ الرُّبْعَ يَقُومُ مَقَامَ الكُلِّ، ولهذا إذا رَأَى رَجُلًا يقول: رَأيْتُ فُلانًا. وإنَّما رَأَى إحْدَى جِهَاتِه. وقال مَالِكٌ: إذا حَلَقَ مِن رَأْسِه ما


(٥) تقدم تخريجه فى: ١/ ١٤٦.
(٦) فى ب، م: "إحدى".
(٧) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>