للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَلَقَّ الوُجُوبُ بِمَحِلٍّ آخَرَ، فصارَ كالدَّيْنِ يَضْمَنُه ضَامِنٌ، أو يَرْهَنُ به رَهْنًا، فإنَّه يَتَعَلَّقُ الحَقُّ بِالضَّامِنِ والرَّهْنِ مع بَقَائِه فى ذِمَّةِ المَدِينِ، فمتى تَعَذَّرَ اسْتِيفاؤُه من الضَّامِنِ، أو تَلِفَ الرَّهْنُ، بَقِىَ الحَقُّ فى الذِّمَّةِ بِحَالِه. وهذا كلُّه لا نَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا. وإن ذَبَحَهُ، فَسُرِقَ أو عَطِبَ (٣)، فلا شىءَ عليه. قال أحمدُ: إذا نَحَرَ فلم يُطْعِمْهُ حتى سُرِقَ، لا شىءَ عليه، فإنَّه إذا نَحَرَ فقد فَرَغَ. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، وابنُ القاسمِ صاحِبُ مَالِكٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال الشَّافِعِىُّ: عليه الإعادَةُ؛ لأنَّه لم يُوصِلِ الحَقَّ إلى مُسْتَحِقِّه، فأشْبَهَ ما لو لم يَذْبَحْهُ. ولَنا، أَنَّه أدَّى الوَاجِبَ عليه، فبَرِئَ منه، كما لو فَرَّقَهُ. ودَلِيلُ أَنَّه أدَّى الوَاجِبَ، أنَّه لم يَبْقَ إلَّا التَّفْرِقَةُ، وليستْ وَاجِبَةً؛ بِدَلِيلِ أنَّه لو خَلَّى بينه وبينَ الفُقَرَاءِ أَجْزَأَهُ، ولذلك لمَّا نَحَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البَدَنَاتِ، قال: "مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ" (٤). وإذا عَطِبَ هذا المُعَيَّنُ، أو تَعَيَّبَ عَيْبًا يَمْنَعُ الإجْزاءَ، لم يُجْزِه ذَبْحُه عمَّا فى الذِّمَّةِ؛ لأنَّ عليه هَدْيًا سَلِيمًا ولم يُوجَدْ، وعليه مَكَانَه، ويَرْجِعُ هذا الهَدْى إلى مِلْكِه، فيَصْنَعُ به ما شاءَ، من أكْلٍ، وَبَيْعٍ (٥)، وَهِبَةٍ، وصَدَقَةٍ، وغيرِه. هذا ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. وحَكاهُ ابنُ المُنْذِرِ عن أحمدَ، والشَّافِعِىِّ، وإسحاقَ، وأبى ثَوْرٍ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. ونحوُه عن عَطَاءٍ. وقال مالِكٌ: يَأْكُلُ، ويُطْعِمُ مَن أحَبَّ من الأغْنِياءِ والفُقَرَاءِ، ولا يَبِيعُ منه شيئا. ولَنا، ما رَوَى سَعِيدٌ، حدَّثَنا سفيانُ، عن عبدِ الكريمِ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، قال: إذا أهْدَيْتَ هَدْيًا تَطَوُّعًا، فعَطِبَ، فانحَرْهُ، ثم اغْمِسِ النَّعْلَ فى دَمِهِ، ثم اضْرِبْ بها صَفْحَتَه، فإن أكَلْتَ أو أمَرْتَ به عَرَّفْتَ، وإذا أهْدَيْتَ هَدْيًا وَاجِبًا فعَطِبَ فانْحَرْهُ، ثم كُلْهُ إن شِئْتَ، وأهْدِه إن شِئْتَ، وبِعْهُ إن شِئْتَ، وتَقَوَّ بِهِ فى هَدْىٍ آخَرَ. ولأنَّه متى كان له أن يَأْكُلَ ويُطْعِمَ الأغْنِياءَ، فله أن يَبِيعَ


(٣) فى الأصل: "غصب".
(٤) تقدم تخريجه فى صفحة ٣٠١.
(٥) فى أ، ب، م: "أو بيع".

<<  <  ج: ص:  >  >>