للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدَرَ عَلَى إيصَالِه إلَيْهِمْ، إلَّا مَنْ أصَابَهُ أذًى مِنْ رَأسِهِ، فيفَرِّقُهُ عَلَى المَسَاكِينِ فِى المَوْضِع الَّذِى حَلَقَ فِيهِ (١))

أمَّا فِدْيَةُ الأذَى، فتجوزُ فى المَوْضِعِ الذى حَلَقَ فيه. نَصَّ عليه أحمدُ. وقال الشَّافِعِىُّ: لا تجوزُ إلَّا فى الحَرَمِ؛ لِقَوْلِه تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (٢). ولَنا، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمَرَ كَعْبَ بن عُجْرَةَ بِالفِدْيَةِ بِالحُدَيْبيَةِ، ولم يَأْمُرْ ببَعْثِه إلى الحَرَمِ (٣). ورَوَى الأثْرَمُ، [وأبو إسحاقَ الجُوزَجانِىُّ] (٤)، فى "كِتَابَيْهِما" عن أبى أسْماءَ مَوْلَى عبدِ اللهِ بن جعفرٍ، قال: كنتُ مع عُثمانَ، وعلىٍّ، وحسين بن علىٍّ، رَضِىَ اللَّه عنهم، حُجَّاجًا، فاشْتَكَى حسينُ بن علىٍّ بِالسُّقْيَا، فأوْمَأَ بِيَدِه إلى رَأْسِه، فحَلَقَه علىٌّ، وَنحَرَ عنه جَزُورًا بِالسُّقْيَا. هذا لَفْظُ رِوايَةِ الأَثْرَمِ. ولم يُعْرَفْ لهم مُخالِفٌ. والآيةُ وَرَدَتْ فى الهَدْىِ، وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ اخْتِصاصُ ذلك بِفِدْيَةِ الشَّعْرِ، وما عَداهُ من الدِّماءِ فبمَكَّةَ. وقال القاضى، فى الدِّمَاءِ الوَاجِبَةِ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ، كاللِّبَاسِ والطِّيبِ: هى كدَمِ الحَلْقِ. وفى الجَمِيعِ رِوَايَتانِ؛ إحْدَاهُما، يَفْدِى حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُه. والثانيةُ، محلُّ الجَمِيعِ الحَرَمُ. وأمَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ فهو لِمَسَاكِينِ الحَرَمِ. نَصَّ عليه أحمدُ، فقال: أمَّا ما كان بِمَكَّةَ، أو كان من الصَّيْدِ، فَكُلُّه (٥) بمَكَّةَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (٦). وما كان من فِدْيَةِ الرَّأْسِ فَحيثُ حَلَقَه. وذَكَرَ القاضى فى قَتْلِ الصَّيْدِ رِوايَةً أُخْرَى، أنَّه يَفْدِى حيثُ قَتَلَه. وهذا يُخالِفُ نَصَّ الكِتابِ، ونَصَّ الإمامِ أحمدَ، فى التَّفْرِقَةِ بينَه وبينَ حَلْقِ الرَّأْسِ، فلا يُعَوَّلُ عليه. وما وَجَبَ


(١) سقط من: الأصل. هنا وفى الموضع التالى.
(٢) سورة الحج ٣٣.
(٣) تقدم تخريجه فى صفحة ١١٥.
(٤) فى أ، ب، م: "وإسحاق والجوزجانى". وتقدمت ترجمته فى: ١/ ٣٧.
(٥) فى م: "فكل".
(٦) سورة المائدة ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>