للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البَيْعَ المَشْروطَ فيه الخِيارُ، فإنَّه لا يَلْزَمُ بِتَفرُّقِهما، ولا يكُونُ تَفَرُّقُهُما غَايَةً لِلْخِيارِ فيه؛ لِكَوْنِه ثَابِتًا بعد تَفَرُّقِهما. ويَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ البَيْعَ الذى شَرَطا فيه أن لا يَكُونَ بَيْنَهما فيه خِيارٌ، فَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ العَقْدِ من غيرِ تَفَرُّقٍ. وظاهِرُ الحَديثِ تَحْرِيمُ مُفارَقَةِ أحَدِ المُتَبايِعَيْنِ لِصاحِبِهِ خَشْيَةً من فَسْخِ البَيْعِ، وهذا ظاهِرُ كَلامِ أحمدَ فى رِوايَةِ الأَثْرَمِ، فإنَّه ذُكِرَ له فِعْلُ ابنِ عُمَرَ، وحَديثُ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، فقال: هذا الآن قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهذا اختيارُ أبى بَكْرٍ. وذَكَرَ القاضى، أنَّ ظاهِرَ كَلامِ أحمدَ، جَوازُ ذَلك؛ لأنَّ ابْنَ عُمَرَ كان إذا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُه فَارَقَ صَاحِبَهُ. مُتَّفَقٌ عليه (١٢). والأوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ قَوْلَ النبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَدَّمُ على فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ. والظَّاهِرُ أنَّ ابْنَ عُمَرَ لم يَبْلُغْهُ هذا، ولو بَلَغَه (١٣) لما خالَفَهُ.

الفَصْلُ الثَّالِثُ: أنَّ ظاهِرَ كَلامِ الخِرَقِيِّ أنَّ الخِيارَ يَمْتَدُّ إلى التَّفَرُّقِ، ولا يَبْطُلُ بِالتَّخايُرِ قبل العَقْدِ ولا بَعْدَه، وهو إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أحمدَ؛ لأنَّ أكْثَرَ الرِّوَاياتِ عن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "البَيِّعانِ بِالخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا". من غير تَقْيِيدٍ، ولا تَخْصيصٍ، هكذا رَواهُ (١٤) حَكيمُ بنُ حِزامٍ، وأبُو (١٥) بَرْزَةَ، وأكْثَرُ الرِّوَاياتِ عن عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ. والرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، أنَّ الخِيارَ يَبْطُلُ بِالتَّخايُرِ. اختارَها الشَّرِيفُ ابنُ أبِى موسى، وهذا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وهو أَصَحُّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[فى حَديِثِ ابْنِ عُمَرَ] (١٦): "فَإنْ خَيَّرَ أَحَدُهما صَاحِبَهُ، فَتبايَعا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ" (١٧). يَعْنِى لَزِمَ. وفى لَفْظٍ: "المُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إلَّا أنْ يَكُونَ البَيْعُ كَانَ عَنْ خِيَارٍ،


(١٢) أخرجه البخارى، فى: باب كم يجوز الخيار، من كتاب البيوع. صحيح البخارى ٣/ ٨٣. ومسلم، في: باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، من كتاب البيوع. صحيح مسلم ٣/ ١١٦٣، ١١٦٤.
(١٣) فى م: "علمه".
(١٤) فى الأصل: "رواية".
(١٥) فى الأصل: "أبى".
(١٦) سقط من: الأصل.
(١٧) تقدم تخريجه فى: صفحة ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>