للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك جائِزًا، وله الخِيارُ إن كان خَلَبَهُ، وإن لم يَكُنْ خَلَبَهُ فلَيْسَ له خِيَارٌ. وذلك لأن رَجُلًا ذَكَرَ لِلنبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يُخْدَعُ في البُيُوعِ، فقال: "إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ". مُتَّفَقٌ عليه (٣٠). ولِمُسْلِمٍ: "مَنْ بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ". فكان إذا بَايَعَ يقولُ: لا خِلَابَةَ. ويَحْتَمِلُ أن لا يكونَ له خِيارٌ (٣١). ويكونُ هذا الخَبَرُ خَاصًّا لِحَبَّانَ؛ لأنه رُوِيَ أنه عَاشَ إلى زَمَنِ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّه عنه، فكان يُبَايِعُ النّاسَ، ثم يُخَاصِمُهمْ، فيَمُرُّ بهم بعضُ الصَّحابَةِ، فيقولُ لِمن يُخاصِمُه: وَيْحَكَ، إنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعَلَ له الخِيارَ ثَلاثًا (٣٢). وهذا يَدُلُّ على اخْتِصَاصِه بهذا؛ لأنه لو كان لِلنّاسِ عَامَّةً لقال لِمن يُخَاصِمُه: إن النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعَلَ الخِيارَ لمن قال: لا خِلَابَةَ. وقال بعضُ أصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إن كانا عَالِمَيْنِ أنَّ ذلك عِبارَةٌ عن خِيَارِ الثَّلاثِ، ثَبَتَ، وإن عَلِمَ أحَدُهما دونَ الآخَرِ، فعلى وَجْهَيْنِ؛ لأنه رُوِيَ أنَّ حَبَّانَ بن مُنْقِذ بن عمْرو، كان لا يزالُ يُغْبَنُ، فأتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذَكَرَ ذلك له، فقال له: "إذَا أنْتَ بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، ثُمَّ أنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَضِيتَ أمْسَكْتَ، وإنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْهَا عَلَى صَاحِبِهَا" (٣٢). وما ثَبَتَ في حَقِّ وَاحِدٍ من الصَّحَابَةِ يَثْبُتُ في حَقِّ سَائِرِ النَّاسِ، ما لم يَقُمْ على تَخْصِيصِه دَلِيلٌ.


(٣٠) أخرجه البخاري، في: باب ما يكره من الخداع في البيع، من كتاب البيوع، وفي: باب ما ينهى عن إضاعة المال. . .، من كتاب الاستقراض، وفي: باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل وإن لم يكن حجر عليه الإمام. . .، من كتاب الخصومات، وفي: باب ما ينهى من الخداع في البيع، من كتاب الحيل. صحيح البخاري ٣/ ٨٥، ٨٦، ١٥٧، ١٥٩، ٩/ ٣١. ومسلم، في: باب من يخدع في البيع، من كتاب البيوع. صحيح مسلم ٣/ ١١٦٥.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الرجل يقول عند البيع لا خلابة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٥٣. والترمذى، في: باب ما جاء في من يخدع في البيع، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي ٥/ ٢٥٧. والنسائي، في: باب الخديعة في البيع، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٢٢. وابن ماجه، في: باب الحجر على من يفسد ماله، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٨٨. والإمام مالك، في: باب جامع البيوع، من كتاب البيوع. الموطأ ٢/ ٦٨٥. والإمام أحمد، في: المسند ٢/ ٧٢، ٨٠، ١٢٩، ١٣٠.
(٣١) في م: "الخيار".
(٣٢) تقدم تخريج حديثه في صفحة ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>