للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَادَ أوِ ازْدَادَ فَقَدْ أرْبَى، بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الْبُرَّ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ". رواه مُسْلِمٌ (١). فهذه الأعْيانُ المَنْصُوصُ علَيها يَثْبُتُ الرِّبا فيها بالنَّصِّ والإجماعِ. واخْتَلَفَ أهلُ العلمِ فيما سواها، فحُكِىَ عن طَاوُسٍ وقَتادَةَ أنَّهما قَصَرا الرِّبا عليها، وقالا: لا يَجْرِي في غيرِها. وبه قال دَاوُدُ ونُفَاةُ القِياسِ، وقالوا: ما عدَاها على أصلِ الإباحَةِ؛ لقولِ اللهِ تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (٢). واتَّفَقَ القائِلُونَ بالقِياسِ على أنّ ثُبُوتَ الرِّبا فيها بعِلَّةٍ، وأنه يَثْبُتُ في كُلِّ ما وُجِدَتْ فيه عِلَّتُها؛ لأنّ القِياسَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، فيَجِبُ اسْتِخْراجُ عِلَّةِ هذا الحُكْمِ، وإثباتُه في كلِّ مَوْضِعٍ وُجِدَتْ عِلَّتُه فيه. وقولُ اللهِ تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا}. يَقْتَضِي تَحْرِيمَ كُلِّ زِيادَةٍ، إذ الرِّبا في اللُّغَةِ الزِّيادَةُ، إلّا ما أجْمَعْنا على تَخْصِيصِه. وهذا يُعارِضُ ما ذَكَرُوه. ثم اتَّفَقَ أهلُ العلمِ على أنّ رِبا الفَضْلِ لا يَجْرِى إلّا في الجِنْسِ الواحِدِ، إلّا سعيدَ بن جُبَيْرٍ، فإنّه قال: كُلُّ شَيْئَيْنِ يَتَقارَبُ الانْتِفاعُ بهما لا يجوزُ بَيْعُ أحَدِهِما بالآخَرِ مُتَفَاضِلًا، كالحِنْطَةِ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرِ بالزَّبِيبِ، والذُّرَةِ بالدُّخْنِ؛ لأنّهما يَتَقارَبُ نَفْعُهُما، فجَرَيا مَجْرَى نَوْعَيْ جِنْسٍ واحِدٍ. وهذا يُخالِفُ قولَ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُم يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الْبُرَّ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ". فلا يُعَوَّلُ عليه. ثم يَبْطُلُ بالذَّهَبِ بالفِضَّةِ، فإنّه يَجُوزُ التَّفاضُلُ فيهما مع تَقَارُبهِما. واتَّفَقَ المُعَلِّلُونَ على أنّ عِلَّةَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ واحِدَةٌ، وعلَّةَ الأعْيانِ الأربعةِ واحِدَةٌ، ثم اخْتَلَفُوا في عِلَّةِ كُلِّ واحَدٍ منهما؛ فَرُوِىَ عن أحمدَ في ذلك ثلاثُ رِواياتٍ، أشْهَرُهُنَّ أنّ عِلَّةَ الرِّبا في الذَّهَبِ والفِضَّةِ


(١) في: باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١٢١٠، ١٢١١.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الصرف، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٢٢، ٢٢٣. والنسائي، في: باب بيع الشعير بالشعير، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٤٠، ٢٤١، ٢٤٢. وابن ماجه، في: باب الصرف وما لا يجوز متفاضلا يدا بيد، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٥٧، ٧٥٨. والدارمي، في: باب في النهي عن الصرف، من كتاب البيوع. سنن الدارمي ٢/ ٢٥٩.
(٢) سورة البقرة ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>