للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يَتَقارَبُ الانْتِفاعُ بهما لا يجوزُ التَّفاضُلُ فيهما. وهذا يَرُدُّه قولُ النَّبىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الْبُرَّ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ، وَبِيعُوا الشَّعِيرَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ" (٣١). وفى لَفْظٍ: "إذَا اخْتَلَفَتْ هَذهِ الْأَشْيَاءُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ". رواه مُسْلِمٌ، وأبو داوُدَ (٣٢). ولأَنّهما جِنْسانِ، فجازَ التَّفاضُلُ فيهما، كما لو تَباعَدَتْ مَنافِعُهما. ولا خلافَ فى إباحَةِ التَّفاضُلِ فى الذَّهَبِ بالفِضَّةِ، مع تَقارُبِ مَنافِعِهما. فأمّا النَّساءُ؛ فكُلُّ جِنْسَيْنِ يَجْرِى فيهما الرِّبا بِعِلَّةٍ واحِدَةٍ، كالمَكِيلِ بالمَكِيلِ، والمَوْزُونِ بالمَوْزُونِ، والمَطْعُومِ بالمَطْعُومِ، عِنْدَ مَن يُعَلِّلُ به، فإنَّه يَحْرُمُ بَيْعُ أحَدِهما بالآخَرِ نَساءً، بغيرِ خلافٍ نَعْلَمُه؛ وذلك لقولِه عليه السّلامُ: "فَإِذا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ". وفى لَفْظٍ: "لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ والْفِضَّةُ أكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ، وأمَّا نَسِيئَةً فَلَا، وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ، وَأمَّا النَّسِيئَةُ فَلَا". رواه أبو داوُدَ (٣٣). إلّا أنْ يَكُونَ أحَدُ العِوَضَيْنِ ثَمَنًا، والآخَرُ مُثَمَّنًا، فإنّه يَجُوزُ النَّساءُ بَيْنَهما بغير خلافٍ؛ لأنّ الشرعَ أرْخَصَ فى السَّلَمِ، والأصلُ فى رَأْسِ المالِ الدَّراهِمُ والدَّنانِيرُ، فلو حُرِّمَ النَّساءُ هاهُنا لَانْسَدَّ بابُ السَّلَمِ فى المَوْزُونَاتِ فى الغالِبِ. فأمّا إنِ اخْتَلَفَتْ عِلَّتُهما كالمَكِيلِ بالمَوْزُونِ، مِثْلُ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالبُرِّ، ففيهما رِوَايَتَانِ؛ إحداهما، يَحْرُمُ النَّساءُ فيهما، وهو الذى ذَكَرَهُ الخِرَقِىُّ هاهنا؛ لأنّهما مَالانِ مِن أموالِ الرِّبا، فَحَرُمَ النَّساءُ فيهما، كالمَكِيلِ بالمَكِيلِ. والثانية، يَجوزُ النَّساءُ فيهما. وهو قولُ النَّخَعِىِّ؛ لأنَّهما لم يَجْتَمِعا فى


(٣١) تقدم تخريجه فى صفحة ٥٤.
(٣٢) أخرجه مسلم، فى: باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١٢١١. وأبو داود، فى: باب فى الصرف، من كتاب البيوع. سنن أبى داود ٢/ ٢٢٣.
كما أخرجه الدارقطنى، فى: كتاب البيوع. سنن الدارقطنى ٣/ ٢٤.
(٣٣) فى: باب فى الصرف، من كتاب البيوع. سنن أبى داود ٢/ ٢٢٢، ٢٢٣.
كما أخرجه النسائى، فى باب بيع الشعير بالشعير، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>