للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبَيْعُ حَرامٌ. وقال أصحابُ الشَّافِعِىِّ: إن كان الغِشُّ ممَّا لا قِيمَةَ له، جازَ الشِّراءُ بها، وإن كان (٤) ممَّا له قِيمَةٌ، ففى جَوَازِ إِنْفاقِها وَجْهانِ، واحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ إنْفاقَ المَغْشوشَةِ بقَولِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" (٥). وبأَنَّ عمرَ -رَضِىَ اللهُ عنه- نَهَى عن بَيْعِ نُفايَةِ بَيْتِ المالِ. ولأنَّ المَقْصودَ فيه مَجْهولٌ، أشْبَهَ تُرابَ الصَّاغَةِ، والأوْلَى أن يُحْمَلَ كَلامُ أحمدَ فى الجَوازِ على الخُصوصِ فيما ظَهَرَ غِشُّهُ، واصْطُلِحَ عليه، فإنَّ المُعامَلَةَ به جائِزَةٌ، إذ ليس فيه أكْثَرُ من اشْتِمالِه على جِنْسَيْنِ لا غَرَرَ فيهما، فلا يَمْنَعُ من بَيْعِهِمَا، كما لو كانا مُتَمَيِّزَيْنِ. ولأنَّ هذا مُسْتَفيضٌ فى الأعْصارِ، جَارٍ بينهم من غيرِ نَكيرٍ، وفى تحريمِهِ مَشَقَّةٌ وضَرَرٌ، وليس شِراؤُه بها غِشًّا لِلْمُسْلِمينَ، ولا تَغْريرًا لهم، والمَقْصودُ منها ظاهِرٌ مَرْئىٌّ مَعْلُومٌ، بخِلَافِ تُرابِ الصَّاغَةِ. ورِوايَةُ المَنْعِ مَحْمولَةٌ على ما يَخْفَى غِشُّه، ويَقَعُ اللَّبْسُ به، فإنَّ ذلك يُفْضى إلى التَّغْريرِ بالمُسْلِمينَ، وقد أشارَ أحمدُ إلى هذا فى رَجُلٍ اجْتَمَعَتْ عنده دراهمُ زُيُوفٌ، ما يَصْنَعُ بها؟ قال: يَسْبِكُها. قيل له: فَيَبيعُها بِدنانيرَ؟ قال: لا. قيل: يَبيعُها بِفُلوسٍ؟ قال: لا. قيل فبِسِلْعَةٍ؟ قال: لا، إنِّى أخافُ أن يَغُرَّ بها مُسْلِمًا. قيل لأبى عبدِ اللهِ: أيَتَصَدَّقُ بها؟ قال: إنِّى أخافُ أن يَغُرَّ بها مُسْلِمًا. وقال: ما يَنْبَغِى له؛ لأنَّه يَغُرُّ بها المُسْلِمينَ، ولا أقول إنَّه حَرَامٌ؛ لأنَّه على تَأْويلٍ، وذلك إنَّما كَرِهْتُه؛ لأنَّه يَغُرُّ بها مُسْلِمًا. فقد صَرَّحَ بأنَّه إنَّما كَرِهَهُ لما فيه من التَّغْريرِ


(٤) فى م زيادة: "من".
(٥) أخرجه مسلم، فى: باب قول النبى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من غشنا فليس منا"، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم ١/ ٩٩. وأبو داود، فى: باب فى النهى عن الغش، من كتاب البيوع. سنن أبى داود ٢/ ٢٤٤. والترمذى، فى: باب ما جاء فى كراهية الغش فى البيوع، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى ٦/ ٥٥. وابن ماجه، فى: باب النهى عن الغش، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٤٩. والدارمى، فى: باب فى النهى عن الغش، من كتات البيوع. سنن الدارمى ٢/ ٢٤٨. والإمام أحمد، فى: المسند ٢/ ٥٠، ٢٤٢، ٤١٧، ٣/ ٤٦٦، ٤/ ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>