للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرِهما؛ لاخْتِلافِهِما في أكْثَرِ هذه المَعانِى، فإنَّه لا يمكنُ خَرْصُها؛ لِتَفَرُّقِها في الأغْصانِ، واسْتِتارِها بالأوْراقِ، ولا يَقْتاتُ يابِسَها، فلا يَحْتاجُ إلى الشِّراءِ به. وقال القاضِى: يجوزُ في سائِرِ الثِّمَارِ. وهو قولُ مالِكٍ والأوْزاعِيِّ، قِياسًا على ثَمَرَةِ النَّخِيل. ولنا، ما رَوَى التِّرْمِذِيُّ (٥)، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن المُزابَنَةِ، الثَّمَرِ بالتَّمْرِ، إلَّا أصْحَابَ العَرايا، فإنَّه قد أذِنَ لهم، وعن بَيْعِ العِنَبِ بالزَّبِيبِ، وكلِّ ثَمَرَةٍ بِخَرْصِها. وهذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وهذا يَدُلُّ على تَخْصِيصِ العَرِيَّةِ بالتَّمْرِ. وعن زَيْدِ بن ثابِتٍ، عن رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه رَخَّصَ (٦) بعد ذلك في بَيْعِ العَرِيَّةِ بالرُّطَبِ أو بالتَّمْرِ (٧). ولم يُرَخِّصْ في غيرِ ذلك. وعن ابن عُمَرَ قال: نَهَى رَسُولُ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المُزَابَنَةِ (٨)، والمَزَابَنَةُ: بَيْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ بالتَّمْرِ كَيْلًا، وبَيْعُ العِنَبِ بالزَّبِيبِ كَيْلًا، وعن كلِّ ثَمَرَةٍ بِخَرْصِه. ولأنَّ الأصْلَ يَقْتَضِى تَحْرِيمَ بَيْعِ العَرِيَّةِ، وإنما جازَتْ في ثَمَرَةِ النَّخِيلِ رُخصَةً، ولا يَصِحُّ قِياسُ غيرِها عليها لِوَجْهَيْنِ، أحدِهما، أنَّ غيرَها لا يُساوِيها في كَثْرَةِ الاقْتِياتِ بها، وسُهُولَةِ خَرْصِها، وكونِ الرُّخْصَةِ في الأصْلِ لأهْلِ المَدِينَةِ، وإنَّما كانت حاجَتُهم إلى الرُّطَبِ دونَ غيرِه. الثانى، أنَّ القِياسَ لا يُعْمَلُ به إذا خالَفَ نَصًّا، وقِياسُهُم يُخالِفُ نُصُوصًا غيرَ مَخْصُوصَةٍ، وإنَّما يجوزُ التَّخْصِيصُ بالقِياسِ على المَحلِّ المَخْصُوصِ، ونَهْىُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بَيْعِ العِنَبِ بالزَّبِيبِ لم يَدْخُلْه تَخْصِيصٌ فيُقاسُ عليه، وكذلك سائِرُ الثِّمَارِ. واللهُ أعلم.


(٥) في: باب ما جاء في العرايا والرخصة في ذلك، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى ٥/ ٣٠٧.
(٦) في الأصل: "أرخص".
(٧) تقدم تخريجه في صفحة ١٢٥.
(٨) تقدم تخريجه في صفحة ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>