للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخَذَه به، صَحَّ؛ لأنَّه قد شاهَدَ كَيْلَه، وعَلِمَهُ، فلا مَعْنَى لِاعْتِبارِ كَيْلِه مَرَّةً ثانِيةً. وعنه لا يُجْزِىءُ. وهو مذهبُ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن بَيْعِ الطَّعامِ حتَّى يَجْرِىَ فيه الصَّاعانِ (٢٣). وهذا داخِلٌ فيه. ولأنَّه قَبَضَهُ بغيرِ كَيْلٍ، أشْبَه ما لو قَبَضَهُ جُزافًا. ولو قال زَيْدٌ لِعَمْرٍو: احْضُرْنا حتَّى أكْتالَهُ لِنَفْسِى، ثمَّ تَكْتالُه أنتَ. وفَعَلا، صَحَّ بغيرِ إشْكالٍ. وإنِ اكْتالَهُ زَيْدٌ لِنَفْسِه، ثمَّ أخَذَهُ عَمْرٌو بذلك الكَيْلِ الذى شاهَدَه، فعلى الرِّوَايَتَيْنِ (٢٤). وإن تَرَكَهُ زَيْدٌ فى المِكْيالِ، ودَفَعَهُ إلى عَمْرٍو لِيُفْرِغَهُ لِنَفْسِه، صَحَّ، وكان ذلك قَبْضًا صَحيحًا؛ لأنَّ اسْتِدامَةَ الكَيلِ بمَنْزِلَةِ ابْتِدائِه، ولا مَعْنَى لِابْتِداءِ الكَيْلِ هاهُنا، إذ لا يَحْصُلُ به زِيادَةُ عِلْمٍ. وقال أصحابُ الشَّافِعِيِّ: لا يَصِحُّ؛ لِنَهْىِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بَيْعِ الطَّعَامِ حتَّى يَجْرِىَ فيه الصَّاعانِ. وهذا يمكنُ القولُ بمُوجَبهِ، وقَبْضُ المُشْتَرِى له فى المِكْيالِ جَرْىٌ لِصاعَيْهِ فيه. ولو دَفَعَ زَيْدٌ (٢٥) إلى عَمْرٍو دراهمَ، فقال: اشْتَرِ لك بها مثلَ الطَّعامِ الذى لك عَلَيَّ. ففَعَلَ، لم يَصِحَّ؛ لأنَّ دراهمَ زَيْدٍ لا يكونُ عِوَضُها لِعَمْرٍو. فإن اشْتَرَى الطَّعامَ بِعَيْنِها، أو فى ذِمَّتِه، فهو كتَصَرُّفِ الفُضولِيِّ على ما تَبَيَّنَ. وإن قال: اشْتَرِ لى بها طَعامًا، ثمَّ أقْبِضْهُ لِنفسِكَ، ففَعَلَ، صَحَّ الشِّراءُ، ولم يَصِحَّ القَبْضُ لِنَفْسِه، على ما تَقَدَّمَ فى مثل هذه الصُّورَةِ. وإن قال: اقْبِضْهُ لِنَفْسِكَ، ففَعَلَ، جازَ. نَصَّ أحْمَدُ على نَظِيرِ ذلك، وهكذا جَميعُ المَسائِلِ التى تَقَدَّمَتْ، إذا حَصَلَ الطَّعامُ فى يَدِ عمرٍو (٢٦) لِزَيْدٍ، فأَذِنَ له أن (٢٧) يَقْبِض من نَفْسِه. وقال أصحابُ الشَّافِعِيِّ: لا يَصِحُّ؛ لأنَّه لا يجوزُ أن يكون قَابِضًا لِنَفْسِه من نَفْسِهِ. ولنا، أنَّه يجوزُ أنْ يَشْتَرِىَ


(٢٣) تقدَّم تخريجه فى صفحة ١٨٧.
(٢٤) فى م: "روايتين".
(٢٥) سقط من: الأصل.
(٢٦) فى م: "عمر".
(٢٧) فى م: "أفى".

<<  <  ج: ص:  >  >>