للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثانى، أنَّه إذا باعَ المَعِيبَ، ثم أرادَ أخْذَ أَرْشِه. فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، أنَّه لا أَرْشَ له سواءٌ باعَهُ عالِما بِعَيْبِه، أو غيرَ عالِمٍ. وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ، والشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ امْتِناعَ الرَّدِّ كان بِفِعْلِه، فأشْبَه ما لو أتْلَفَ المَبِيعَ، ولأنَّه قد (٢) اسْتَدْرَكَ ظُلامَتَه بِبَيْعِه، فلم يكنْ له أرْشٌ، كما لو زال العَيْبُ. وقال القاضى: إن باعَه مع عِلْمِه بالعَيْبِ، فلا أَرْشَ له؛ لِرِضاهُ به مَعِيبًا، وإن باعَه غيرَ عالِمٍ بالعَيْبِ، فله الأَرْشُ. نَصَّ عليه أحْمَدُ؛ لأنَّ البائِعَ لم يُوَفِّه ما أوْجَبَه له العَقْدُ، ولم يُوجَدْ منه الرِّضا به نَاقِصًا، فكان له الرُّجُوعُ عليه، كما لو أَعْتَقَهُ. وقِياسُ المَذْهَبِ، أنَّ له الأَرْشَ بكلِّ حالٍ، سواءٌ باعَهُ عالِما بِعَيْبِه أو جاهِلًا به؛ لأنَّنا خَيَّرْناهُ ابْتِداءً بين رَدِّه، وإمْساكِه وأخْذِ الأَرْشِ، فبَيْعُه والتَّصَرُّفُ فيه بِمَنْزِلَةِ إمْساكِه، ولأنَّ الأَرْشَ عِوَضُ الجُزْءِ الفائِتِ من المَبِيعِ، فلم يَسْقُطْ بِبَيْعِه، ولا رِضاهُ، كما لو باعَهُ عشرةَ أقْفِزَةٍ، وسَلَّمَ إليه تِسْعَةً، فباعَها المُشْتَرِى. وقولهم: إنَّه اسْتَدْرَكَ ظُلامَتَهُ. لا يَصِحُّ، فإنَّ ظُلامَتَهُ من البائِعِ، ولم يَسْتَدْرِكْها منه، وإنَّما ظُلِمَ المشُتَرِى، فلم يَسقطْ حَقُّه بذلك من الظَّالِمِ له، وهذا هو الصَّحِيحُ من قولِ مالِكٍ، وذكر أبو الخَطَّابِ عن أحْمَدَ، فى رُجُوعِ بائِعِ المَعِيبِ بالأَرْشِ (٣)، رِوَايَتَيْنِ، من غير تَفْرِيقٍ بين عِلْمِ البائِعِ بالعَيْبِ وجَهْلِه به. وعلى قولِ من قال لا يَسْتَحِقُّ الأَرْشَ، فإذا عَلِمَ به المُشْتَرِى الثانى فرَدَّه به، أو أخَذَ أرْشَه منه، فَلِلأَولِ أخْذُ أرْشِه. وهو قولُ الشَّافِعِىِّ إذا امْتَنَعَ على المُشْتَرِى الثانى رَدُّه بِعَيْبٍ حَدَثَ عنده؛ لأنَّه لم يَسْتَدْرِكْ ظُلَامَتَهُ، وكلُّ واحِدٍ من المُشْتَرِيَيْنِ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ العَيبِ من الثَّمَنِ الذى اشْتَراهُ به، على ما ذَكَرْناهُ فيما تَقَدَّمَ.


(٢) سقط من: الأصل.
(٣) فى م: "الأرش".

<<  <  ج: ص:  >  >>