للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَنا، ما رَوَى ابنُ عمرَ، أنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعِ عَسْبِ الفَحْلِ. رواه البُخَارِىُّ (٣). وعن جابِرٍ قال: نَهَى رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بَيْعِ ضِرَابِ الجَمَلِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٤). ولأنَّه ممَّا لا يَقْدِرُ على تَسْلِيمِه، فأشْبَهَ إجَارَةَ الآبِقِ. ولأنَّ ذلك مُتَعَلِّقٌ باخْتِيارِ الفَحْلِ وشَهْوَتِه. ولأنَّ المَقْصُودَ هو الماءُ، وهو مِمَّا لا يجوزُ إفْرادُه بالعَقْدِ، وهو مَجْهُولٌ. وإجارَةُ الظِّئْرِ خُولِفَ فيه الأصْلُ لِمَصْلَحَةِ بَقاءِ الآدَمِىِّ، فلا يُقاسُ عليه ما ليس مثلَه. فعلى هذا إذا أعطَى أجْرَةً لِعَسْبِ (٥) الفَحْلِ، فهو حَرامٌ على الآخِذِ (٦)، لمَا ذَكَرْناهُ. ولا يَحْرُمُ على المُعْطِى؛ لأَنَّه بَذَلَ مَالَهُ لِتَحْصِيلِ مُباحٍ يَحْتاجُ إليه، ولا يَمْتَنِعُ هذا كما فى كَسْبِ الحَجَّامِ، فإنَّه خَبِيثٌ، وقد أعْطَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذى حَجَمَهُ (٧). وكذلك أُجْرَةُ الكَسْحِ (٨). والصَّحابةُ أَباحُوا شِراءَ المَصاحِفِ، وكَرِهُوا بَيْعَها. وإن أعْطَى صاحِبَ الفَحْلِ هَدِيَّةً، أو أكْرَمَهُ من غيرِ إجَارَةٍ، جازَ. وبه قال الشَّافِعِىُّ؛ لِمَا رَوَى أنَسٌ عن النَّبِىِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنَّه قال: "إذَا كَانَ إكْرَامًا فَلَا بَأْسَ". (٩) ولأنَّه سَبَبٌ مُباحٌ، فجَازَ أخْذُ الهَدِيَّةِ عليه،


(٣) فى: باب عسب الفحل، من كتاب الإجارة. صحيح البخارى ٣/ ١٢٣.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب فى عسب الفحل، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٣٩. والترمذي، فى: باب ما جاء فى كراهية عسب الفحل، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى ٥/ ٢٧٤. والنسائى، فى: باب بيع ضراب الجمل، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٧٣. الإِمام أحمد، فى: المسند ٢/ ١٤.
(٤) فى: باب تحريم بيع فضل الماء. . .، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١١٩٧.
كما أخرجه النسائى، فى: باب بيع ضراب الجمل، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٧٣.
(٥) فى الأصل، م: "العسب".
(٦) فى م: "الآخر".
(٧) أخرجه البخارى، فى: باب ذكر الحجام، من كتاب البيوع، وفى: باب خراج الحجام، من كتاب الإجارة. صحيح البخارى ٣/ ٨٢، ٨٣، ١٢٢. ومسلم، فى: باب حل أجرة الحِجَامَة، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١٢٠٥. وأبو داود، فى: باب فى كسب الحجام، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٣٩. وابن ماجه، فى: باب كسب الحجام، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٣١.
(٨) الكسح: هو الكنس.
(٩) أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى كراهية عسب الفحل، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى ٧/ ٢٧٥. والنسائى، فى: باب بيع ضراب الجمل، من كتاب البيوع. المجتبى ٧/ ٢٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>