للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا قِلَّةٍ، فإنَّ النائِمَ يَخْفِقُ رَأْسُه مِنْ يَسِيرِ النَّوْمِ، فهو يَقِينٌ في اليَسِيرِ، فيُعْمَلُ به منه (٩)، وما زاد عليه فو مُحْتَمَل لا يُتْرَكُ له العُمُوم المُتَيَقَّنُ؛ ولأنَّ نَقْضَ الوُضُوءِ بالنَّوْمِ مُعَلَّلٌ (١٠) بإفْضائِه إلى الحَدَثِ، ومع الكَثْرَةِ والغَلَبَة يُفْضِى إليه، ولا يُحِسُّ بخُرُوجِهِ منه، بخلافِ اليَسِيرِ، ولا يَصِحُّ قياسُ الكَثِيرِ علَى اليَسِيرِ، لاخْتِلافِهِما في الإِفْضاءِ إلى الحَدَثِ. الثالثُ ما عدا هاتَيْنِ الحالتَيْنِ، وهو نَوْمُ (١١) القائِمِ والرَّاكِعِ والسَّاجِدِ، فرُوِىَ عن أحمدَ في جَميعِ ذلك روايتان: إحداهما، يَنْقُضُ. وهو قولُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه لم يَرِدْ في تَخْصِيصِهِ مِنْ عُمُومِ أحادِيث النَّقْضِ نَصٌّ، ولا هو في مَعْنَى المَنْصُوص، لكَوْنِ القاعِدِ مُتَحَفِّظًا، لاعْتِمادِه بمَحَلِّ الحَدَثِ إلى الأرضِ، والراكعُ والساجدُ يَنْفَرِجُ مَحَلُّ الحَدَثِ منهما. والثانيةُ، لا يَنْقُضُ إلَّا إذا كَثُرَ. وذَهَبَ أبو حنيفة إلى أنَّ النَّوْمَ في حالٍ من أحوالِ الصلاةِ لا يَنْقُضُ وإنْ كَثُرَ؛ لما رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَسْجُدُ ويَنَامُ ويَنْفُخُ، ثم يقومُ فَيُصَلِّى، فقلتُ له: صَلَّيْتَ ولم تَتَوَضَّأ وقد نِمْتَ، فقال: "إنَّمَا الوُضُوءُ على مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا؛ فَإنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ". رَواهُ أبو داود (١٢)، ولأنَّه حال مِن أحْوالِ الصَّلاةِ. فأشْبَهت حال الجُلُوسِ. والظاهرُ عن أحمدَ التَّسْوِيَةُ بين القِيامِ والجُلُوسِ، لأنهما يَشْتَبِهانِ في الانْخِفاضِ واجتماعِ المَخْرَجِ، وربَّما كان القائمُ أبْعَدَ من الحَدَثِ لعَدَمِ التمَكُّنِ من الاسْتِثْقالِ في النومِ، فإنه لو اسْتَثْقَلَ لسَقَطَ. والظاهرُ عنه في الساجدِ التَّسْوِيةُ بينه وبين المُضْطَجِع؛ لأنَّه يَنْفَرِجُ مَحَلُّ الحَدَثِ، ويعَتْمِدُ بأعْضائِه علَى الأرضِ، ويتَهَيَّأُ لخُروجِ الخارجِ، فأشْبَهَ المُضْطَجِعَ. والحديثُ الذي ذَكَرُوه (١٣) مُنْكَرٌ. قالَه أبو داود. وقال ابنُ المُنْذِر: لا يَثْبُتُ، وهو


(٩) سقط من: م.
(١٠) في م: "يعلل".
(١١) سقط من: م.
(١٢) في: باب في الوضوء من النوم، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود ١/ ٤٦. وأخرجه أيضًا الترمذي، في: باب الوضوء من النوم، من أبواب الطهارة. عارضة الأحوذى ١/ ١٠٣. والإمام أحمد، في: المسند ١/ ٢٥٦.
(١٣) في الأصل: "ذكرناه".

<<  <  ج: ص:  >  >>