للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يجوزُ بَيْعُ الفَهْدِ، والصَّقْرِ، ونحوِهما؛ لأنَّها نَجِسَةٌ، فَلَم يَجُزْ بَيْعُها، كالكَلْبِ. ولَنا، أنَّه حَيَوانٌ أُبِيحَ اقْتِناؤُه، وفيه نَفْعٌ مُباحٌ، من غيرِ وَعيدٍ في حَبْسِه، فأُبِيحَ بَيْعُه (٣) كالبَغْلِ، وما ذَكَراه يَبْطُلُ بالبَغْلِ، والحِمارِ، فإنَّه لا خِلافَ في إباحَةِ بَيْعِها، وحُكْمُها حُكْمُ سِباعِ البَهائِمِ في الطَّهارَةِ، والنَّجاسَةِ، وإباحَةِ الاقْتِناءِ، والانتِفاعِ. وأمَّا الكَلْبُ فإنَّ الشَّرْعَ تَوَعَّدَ على اقْتِنائِه وحَرَّمَه، إلَّا في حال الحاجَةِ، فصارَتْ إباحَتُه ثابِتَةً، بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، بِخِلافِ غيرِه، ولأنَّ الأصْلَ الإباحَةُ؛ بِدَلِيلِ قولِ اللهِ تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (٤). ولما ذَكَرْنا من المَعْنَى خَرَجَ منه ما اسْتَثْناه الشَّرْعُ؛ لِمَعانٍ غيرِ مَوْجُودَةٍ في هذا، فبَقِىَ على أصْلِ الإباحَةِ. وأمَّا الهِرُّ، فقال الخِرَقِيُّ: يجوزُ بَيْعُها. وبه قال ابنُ عَبّاسٍ، والحسنُ، وابنُ سِيرِينَ، والحَكَمُ، وحَمَّادٌ، والثَّوْرِيُّ، ومالِكٌ، والشَّافِعِيُّ، وإسْحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وعن أحمدَ أنَّه كَرِهَ ثَمَنَها. وَرُوِىَ ذلك عن أبي هريرةَ، وطاوُسٍ، ومُجاهِدٍ، وجابِرِ بن زَيْدٍ. واخْتارَه أبو بكرٍ؛ لما رَوَى مُسْلِمٌ (٥) عن جابِرٍ، أنَّه سُئِلَ عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ، فقال: زَجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ. وفي لَفْظٍ رواهُ أبو داودَ عن جابِرٍ، أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ. قال التِّرْمِذِيُّ: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وفي إسْنادِهِ اضْطِرابٌ. ولَنا، ما ذَكَرْنا فيما يُصادُ به مِن السِّباعِ، ويُحْمَلُ الحَدِيثُ على غيرِ المَمْلُوكِ منها، أو ما لا نَفْعَ فيه منها؛ بِدَلِيلِ ما ذَكَرْنا، ولأنَّ البَيْعَ شُرِعَ طَرِيقًا لِلتَّوَصُّلِ إلى قَضاءِ الحاجَةِ، واسْتِيفاءِ المَنْفعَةِ المُباحَةِ؛ لِيَصِلَ كلُّ واحِدٍ إلى الانْتِفاعِ بما في يَدِ صاحِبِه، ممَّا يُباحُ الانْتِفاعُ به، فيَنْبَغِى أن يُشْرَعَ ذلك فيه؛ لِيَصِلَ


(٣) سقط من: الأصل.
(٤) سورة البقرة ٢٧٥.
(٥) في: باب تحريم ثمن الكلب. . .، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم ٣/ ١١٩٩. وأبو داود، في: باب في ثمن السنور، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٥٠. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية ثمن الكلب والسنور، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذي ٥/ ٢٧٩، ٢٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>