للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافِعِيِّ. والوَجْهُ الثاني، أنَّه يَصِحُّ في المائةِ، ويَبْطُلُ في الزَّائِدِ عليها؛ لأنَّ العَقْدَ تَنَاوَلَ ما يجوزُ وما لا يجوزُ، فجَازَ فيما دون غيرِه، كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. ويُفَارِقُ ما ذَكَرْنا من الأُصُولِ؛ فإنَّ العَقْدَ لم يَتَنَاوَلْ مَأْذُونًا فيه بحالٍ، وكل واحِدٍ من هذه الأُمُورِ يَتَعَلَّقُ به غَرَضٌ لا يُوجَدُ فى الآخَرِ، فإنَّ الرَّاهِنَ قد يَقْدِرُ على فَكَاكِه في الحالِ، ولا يَقْدِرُ على ذلك عند الأجَلِ وبالعَكْسِ. وقد يَقْدِرُ على فَكَاكِه بأحَدِ النَّقْدَيْنِ دون الآخَرِ، فيَفُوتُ الغَرَضُ بالمُخَالَفَةِ، وفي مَسْأَلَتِنَا إذا صَحَّ في المائَةِ المَأْذُونِ فيها لم يَخْتَلِف الغَرَضُ، فإن أَطْلَقَ الرَّهْنَ في الإذْنِ من غيرِ تَعْيِين، فقال القاضي: يَصِحُّ، وله رَهْنُه بما شَاءَ. وهو قولُ أصْحَابِ الرَّأْىِ، وأحَدُ قَوْلَىِ الشَّافِعيِّ. والآخَرُ: لا (٣٢) يجوزُ حتى يُبَيِّنَ قَدْرَ الذى يَرْهَنُه به، وصِفَتَه، وحُلُولَه، وتَأْجِيلَه؛ لأنَّ هذا بمَنْزِلَةِ الضَّمَانِ، لأنَّ مَنْفَعَةَ العَبْدِ لِسَيِّدِهِ، والعَارِيَّةُ ما أفَادَتِ المَنْفَعَةَ، إنَّما حَصَّلَتْ له نَفْعًا يكونُ الرَّهْنُ وَثِيقَةً عنه، فهو بمَنْزِلَةِ الضَّمَانِ في ذِمَّتِه، وضَمَانُ المَجْهُولِ لا يَصِحُّ. ولَنا، أنَّها عَارِيَّةٌ، فلم يُشْتَرَطْ لِصِحَّتِها ذِكْرُ ذلك، كالعَارِيَّةِ لغيرِ الرَّهْنِ، والدَّلِيلُ على أنَّه عَارِيَّةٌ أنَّه قَبَضَ مِلْكَ غيرِه لِمَنْفَعَةِ نَفْسِه، مُنْفَرِدًا بها من غير عِوَضٍ، فكان عَارِيَّةً، كَقَبْضِه لِلْخِدْمَةِ. وقولُهم: إنَّه ضَمَانٌ. غيرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّ الضَّمَانَ يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ، لهذا ثَبَتَ في الرَّقَبَةِ، ولأنَّ الضَّمَانَ لَازِمٌ في حَقِّ الضَّامِنِ، وهذا له الرُّجُوعُ (٣٣) في العَبْدِ قبلَ الرَّهْنِ، وإلْزَامُ المُسْتَعِيرِ بِفَكَاكِه بعدَه. وقولُهم: إن المَنَافِعَ لِلسَّيِّدِ. قُلْنا: المَنَافعُ مُخْتَلِفَةٌ، فيجوزُ أن يَسْتَعِيرَهُ لِتَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ واحِدَةٍ وسَائِرُ المَنَافِعِ لِلسَّيِّدِ، كما لو اسْتَعَارَهُ لِحِفْظِ مَتَاعٍ وهو مع ذلك يَخِيطُ لِسَيِّدِه. أو يَعْمَلُ له شَيْئًا، أو اسْتَعَارَهُ لِيَخِيطَ له، ويَحْفَظُ المَتَاعَ لِسَيِّدِه. فإنْ قيل: لو كان عَارِيَّةً لمَا صَحَّ رَهْنُه؛ لأنَّ العَارِيَّةَ لا تَلْزَمُ، والرَّهْنُ


(٣٢) سقط من: أ، م.
(٣٣) في م: "رجوع".

<<  <  ج: ص:  >  >>