للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حالَ العَقْدِ، أو قبلَ لُزُومِه، فحُكْمُ هذَين واحِدٌ، ولا يَمْنَعُ ذلك صِحَّةَ العَقْدِ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدَمُ الحَمْلِ، فإن بَانَتْ حَائِلًا (٢)، أو حَامِلًا بِوَلَدٍ لا يَلْحَقُ بالرَّاهِنِ، فالرَّهْنُ بِحَالِه، وكذلك إن كان يَلْحَقُ به، لكنْ لا تَصِيرُ به أُمَّ وَلَدٍ، مثلَ إنْ وَطِئَها وهى زَوْجَتُه، ثم مَلَكَها ورَهَنَها. وإن بَانَتْ حَامِلًا بِوَلَدٍ تَصِيرُ به أُمَّ وَلَدٍ، بَطَلَ الرَّهْنُ، ولا خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ، وإن كان مَشْرُوطًا في بَيْعٍ؛ لأنَّه دَخَلَ مع العِلْمِ بأنَّها لا تكونُ رَهْنًا، فإذا خَرَجَتْ من الرَّهْنِ بذلك السَّبَبِ الذى عَلِمَهُ، لم يكُنْ له خِيَارٌ، كالمَرِيضِ إذا مَاتَ، والجانِى إذ اقْتُصَّ منه. وهذا قولُ أكْثَرِ أصْحابِ الشَّافِعِيِّ. وقال بعضُهم: له الخِيارُ؛ لأنَّ الوَطْءَ نَفْسَه لا يُثْبِتُ الخِيَارَ، فلم يكُنْ رِضَاهُ به رِضًى بالحَمْلِ الذى يَحْدُثُ منه، بخِلَافِ الجِنايَةِ والمَرَضِ. ولَنا، أنَّ إِذْنَهُ في الوَطْءِ إِذْنٌ فيما يَؤُولُ إليه، كذلك رِضَاهُ به رِضًى بما يَؤُولُ إليه. الحالِ الثالث، أقَرَّ بالوَطْءِ بعدَ لُزُومِ الرَّهْنِ، فإنَّه يُقْبَلُ في حَقِّه، ولا يُقْبَلُ في حَقِّ المُرْتَهِنِ؛ لأنَّه أقَرَّ بما يَفْسَخُ عَقْدًا لَازِمًا لغيرِه، فلم يُقْبَلْ، كما لو أقَرَّ بعد بَيْعِهَا. ويَحْتَمِلُ أن يُقْبَلَ؛ لأنَّه أقَرَّ في مِلْكِه بما لا تُهْمَةَ فيه، لأنَّه يَسْتَضِرُّ بذلك أَكْثَر من نَفْعِه بِخُرُوجِهَا من الرَّهْنِ. والأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لأنَّ إِقْرَارَ الإِنْسانِ على غيرِه لا يُقْبَلُ. وهكذا الحُكْمُ فيما إذا أقَرَّ بأنه غَصَبَها، أو أنَّها كانتْ جَنَتْ جِنَايَةً تَعَلَّقَ أَرْشُها بِرَقَبَتِها. وللشَّافِعِيِّ في ذلك قَوْلَانِ، وإن أقَرَّ أنَّه أَعْتَقَها، صَحَّ إقْرَارُه، وخَرَجَتْ من الرَّهْنِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال الشَّافِعِيُّ في أحَدِ قَوْلَيْهِ: لا يُقْبَلُ. بنَاءً على أنَّه لا يَصِحُّ إعْتَاقُه لِلرَّهْنِ. ولَنا، أنَّه لو أَعْتَقَه لنَفَذَ عِتْقُه، فَقُبِلَ إقْرَارُه بِعِتْقِه، كغيرِ الرَّهْنِ، ولأنَّ إقْرَارَهُ بِعِتْقِه يَجْرى مَجْرَى عِتْقِه، فأشْبَه ما لو قال: أنْتَ حُرٌّ. ويَتَخَرَّجُ أن لا يَنْفُذَ إقْرَارُ المُعْسِرِ، بنَاءً على أنَّه لا يَنْفُذُ إعْتَاقُه. وكلُّ مَوْضِعٍ قُلْنا: القولُ قولُ الرَّاهِنِ. فقال القاضِى: ذلك مع يَمِينِه؛ لأنَّ كَذِبَهُ مُحْتَمِلٌ. ويَحْتَملُ أن لا يُسْتَحْلَفَ،


(٢) الحائل: كل أنثى لا تحبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>