للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمين (٤)، مُخْتَلِطًا بهم من أهْلِ العِلْمِ، لم تُقْبَلْ دَعْوَاهُ، لأنَّه لا يَخْلُو ممَّن يَسْمَعُ منه ما يَعْلَمُ به تَحْرِيمَ ذلك، فيكونُ كمَن لم يَدَّعِ الجَهْلَ، وَوَلَدُه رَقِيقٌ لِلرَّاهِنِ؛ لأنَّه مِن زِنًا. ولا فَرْقَ في جَمِيعِ ما ذَكَرْنا بينَ أن يكونَ الوَطْءُ بإذْنِ الرَّاهِنِ، أو بغيرِ إِذْنِه. وهذا المَنْصُوصُ عن الشَّافِعِيِّ. ويَحْتَمِلُ أن لا تَجِبَ قِيمَةُ الوَلَدِ مع الإِذْنِ في الوَطْءِ. وهو قولُ بعضِ أصْحابِ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ الإِذْنَ في الوَطْءِ إذْنٌ فيما يَحْدُثُ منه، بِدَلِيلِ أنَّه لو أَذِنَ المُرْتَهِنُ للرَّاهِنِ في الوَطْءِ، فحَمَلَتْ منه، سَقَطَ حَقُّه مِن الرَّهْنِ. ولو أَذِنَ في قَطْعِ إِصْبَعٍ، فَسَرَتْ إلى أُخْرَى، لم يَضْمَنْهَا. ووَجْهُ الأَوَّلِ أنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يَمْنَعُ انْخِلَاقَ الوَلَدِ رَقِيقًا، وسَبَبُه اعْتِقَادُ الحِلِّ، وما حَصَلَ ذلك بِإِذْنِه، بخِلَافِ الوَطْءِ، فإنَّ خُرُوجَها مِن الرَّهْنِ بالحَمْلِ الذى الوَطْء المَأْذُون فيه سَبَبٌ له. وأمَّا المَهْرُ، فإن كان الوَطْءُ بإِذْنِ الرَّاهِنِ، فلا مَهْرَ له. وقال أبو حنيفةَ: يَجِبُ له؛ لأنَّه يَجِبُ لها ابْتِدَاءً، فلا يَسْقُطُ بإِذْنِ غيرِها. وعن الشَّافِعِيَّةِ (٥) كالمَذْهَبَيْنِ. ولَنا، أنَّه أَذِنَ في سَبَبِه، وهو حَقُّه، فلم يَجِبْ، كما لو أَذِنَ في قَتْلِها، ولأنَّ المالِكَ أَذِنَ في اسْتِيفَاءِ المَنْفَعَةِ، فلم يَجِبْ عِوَضُها، كالحُرَّةِ المُطَاوِعَةِ (٦). وإن كان بغير إِذْنٍ، فالمَهْرُ واجِبٌ، سواءٌ أكْرَهَها أو طَاوَعَتْهُ. وقال الشَّافِعِيُّ: لا يَجِبُ المَهْرُ مع المُطَاوَعةِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عن مَهْرِ البَغِيِّ (٧). ولأنَّ الحَدَّ إذا وَجَبَ على المَوْطُوءَةِ لم يَجِبِ المَهْرُ، كالحُرَّةِ. ولَنا، أنَّ المَهْرَ يَجِبُ لِلسَّيِّدِ، فلا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَةِ الأمَةِ وإِذْنِها، كما لو أَذِنَتْ في قَطْعِ يَدِها، ولأنَّه اسْتَوْفَى هذه المَنْفَعَةَ المَمْلُوكَةَ لِلسَّيِّدِ بغيرِ إذْنِه، فكان عليه عِوَضُها، كما لو أكْرَهَها، وكأَرْشِ


(٤) في م: "الإِسلام".
(٥) في م: "الشافعى".
(٦) في أ، م: "والمطاوعة".
(٧) تقدم تخريجه في صفحة ٣٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>