للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنَافِعُها مُعَطَّلَةً، فإن كانت دَارًا أُغْلِقَتْ، وإن كان عَبْدًا أو غيرَه تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُه حتى يُفَكَّ الرَّهْنُ. وإن اتَّفَقَا على إجَارَةِ الرَّهْنِ، أو إعَارَتِه، جازَ ذلك. هذا ظاهِرُ كَلَامِ الخِرَقِىِّ؛ لأنَّه جَعَلَ غَلَّةَ الدَّارِ وخِدْمَةَ العَبْدِ رَهْنًا، ولو عُطِّلَتْ مَنَافِعُهُما لم يَكُنْ لهما غَلَّةٌ. وقال ابنُ أبى موسى: إن أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فى إعَارَتِه، أو إِجَارَتِه، جَازَ، والأُجْرَةُ رَهْنٌ، وإن أجَرَهُ الرَّاهِنُ بإِذْنِ المُرْتَهِنِ، خَرَجَ من الرَّهْنِ، فى أحَدِ الوَجْهَيْنِ، والآخَرُ لا يَخْرُجُ، كما لو أجَرَهُ المُرْتَهِنُ. وقال أبو الخَطَّابِ، فى المُشَاعِ: يُؤجِرُه الحاكِمُ لهما. وذكر أبو بكرٍ فى الخِلَافِ، أنَّ مَنَافِعَ الرَّهْنِ تُعَطَّلُ مُطْلَقًا، ولا يُؤْجِرَاهُ. وهذا قولُ الثَّوْرِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وقالوا: إذا أجَرَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ بإذْنِ المُرْتَهِنِ، كان إخْرَاجًا من الرَّهْنِ، لأنَّ الرَّهْنَ يَقتَضِى حَبْسَه عند المُرْتَهِنِ أو نَائِبِه على الدَّوَامِ، فمتى وُجِدَ عَقدٌ يَسْتَحِقُّ به زَوَالَ الحَبْسِ زَالَ الرَّهْنُ. ولَنا، أنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ الاسْتِيثَاقُ بالدَّيْنِ، واسْتِيفَاؤُه مِن ثَمَنِه عندَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِه من ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وهذا لا يُنَافِى الانْتِفَاعَ به، ولا إجَارَتَه، ولا إعَارَتَه، فجازَ اجْتِمَاعُهُما، كانْتِفَاعِ المُرْتَهِنِ به، ولأنَّ تَعْطِيلَ مَنْفعَتِه تَضْييعٌ لِلْمَالِ، وقد نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن [إِضَاعَة المالِ] (٤)، ولأنَّه عَيْنٌ تَعَلَّقَ بها حَقُّ الوَثِيقَةِ، فلم يَمْنَعْ إِجَارَتَها، كالعَبْدِ إذا ضمِنَ بإِذْنِ سَيِّدِه، ولا نُسَلِّمُ أن مُقْتَضَى الرَّهْنِ الحَبْسُ، وإنَّما مُقْتَضَاهُ تَعَلُّقُ الحَقِّ به على وَجْهٍ تَحْصُلُ به الوَثِيقَةُ، وذلك غيرُ مُنَافٍ لِلانْتِفَاعِ به، ولو سَلَّمْنَا أنَّ مُقْتَضَاهُ الحَبْسُ، فلا يَمْنَعُ أن يكونَ المُسْتَأْجِرُ نَائِبًا عنه فى إمْسَاكِه وحَبْسِه، ومُسْتَوْفِيًا لِمَنْفَعَتِه لِنَفْسِه.


(٤) فى أ: "إضاعته".
والحديث أخرجه البخارى، فى: باب لا صدقةَ إلا عن ظهر غنى. . .، من كتاب الزكاة، وفى: باب ما ينهى عن إضاعة المال. . .، من كتاب الاستقراض، وفى: باب من رد أمر السفيه. . .، من كتاب الخصومات، وفى: باب ما يكره من قيل وقال، من كتاب الرقاق. صحيح البخارى ٢/ ١٣٩، ٣/ ١٥٧، ١٥٩، ٨/ ١٢٤. ومسلم، فى: باب النهى عن كثرة المسائل. . .، من كتاب الأقضية. صحيح مسلم ٣/ ١٣٤٠، ١٣٤١. والدارمى، فى: باب إن اللَّه كره لكم قيل وقال، من كتاب الرقاق. سنن الدارمى ٢/ ٣١١. والإمام أحمد، فى: المسند ٤/ ٢٥٠ - ٢٥١، ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>