للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهى إذا تَعَدَّى، أو لم يَحْرُزْ، فالقولُ قولُ المُرْتَهِنِ مع يَمِينِه؛ لأنَّه غَارِمٌ، ولأنه مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الزِّيَادَةِ على ما أقَرَّ به، والقولُ قولُ المُنْكِرِ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، ولا نَعْلَمُ فيه مُخَالِفًا. وإن اخْتَلَفَا فى قَدْرِ الحَقِّ، نحوُ أن يقولَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُكَ عَبْدِى هذا بأَلْفٍ. فقال المُرْتَهِنُ: بل بَأَلْفَيْنِ. فالقولُ قولُ الرَّاهِنِ. وبهذا قال النَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ، والْبَتِّىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ. وحُكِىَ عن الحسنِ، وقَتادَةَ، أنَّ القولَ قولُ المُرْتَهِنِ، ما لم يُجَاوِزْ ثَمَنَ الرَّهْنِ، أو قِيمَتَه، ونحوُه قولُ مالِكٍ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أن الرَّهْنَ يكونُ بقَدْرِ الحَقِّ. ولَنا، أنَّ الرَّاهِنَ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ التى يَدَّعِيهَا المُرتَهِنُ، والقولُ قولُ المُنْكِرِ؛ لقَوْلِ رسولِ اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو يُعْطَى النّاسُ بِدَعْوَاهُم، لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وأمْوَالَهُمْ، ولكِنَّ اليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ (١). ولأنَّ الأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ من هذه الأَلْفِ، فالقولُ قولُ مَن يَنْفِيها، كما لو اخْتَلَفَا فى أصْلِ الدَّيْنِ، وما ذَكَرَهُ من الظَّاهِرِ غيرُ مُسَلَّمٍ؛ فإنَّ العادَةَ رَهْنُ الشىءِ بأقَلَّ من قِيمَتِه. إذا ثَبَتَ هذا، فالقولُ قولُ الرَّاهِنِ فى قَدْرِ ما رَهَنَه به، سواءٌ اتَّفَقَا على أنَّه رَهَنَهُ بجمِيعِ الدَّيْنِ أو اخْتَلَفَا، فلو اتَّفَقَا على أن الدَّيْنَ أَلْفَانِ، وقال الرَّاهِنُ: إنَّما رَهَنْتُكَ بأحَدِ الأَلْفَيْنِ. وقال المُرْتَهِنُ: بل رَهَنْتُه بهما. فالقولُ قولُ الرَّاهِنِ مع يَمِينِه؛ لأنَّه يُنْكِرُ تَعَلُّقَ حَقِّ المُرْتَهِنِ فى أحَدِ الأَلْفَيْنِ بِعَبْدِه، والقولُ قولُ المُنْكِرِ. وإن اتَّفَقَا على أنَّه رَهْنٌ بأحَدِ الأَلْفَيْن، وقال الرَّاهِنُ: هو رَهْنٌ بالمُؤَجَّلِ. وقال المُرْتَهنُ: بل بالحالِّ. فالقولُ قولُ الرَّاهِنِ مع يَمِينِه؛ لأنَّه مُنْكِرٌ، ولأنَّ القولَ قولُه فى أَصْلِ الرَّهْنِ، فكذلكِ فى صِفِتِه، وهذا إذا لم يكُنْ بَيِّنَةٌ، فإن كان لأَحَدهِما بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بها، بغيرِ خِلَافٍ فى جمِيعِ هذه الْمَسائِلِ.


(١) فى: باب اليمين على المدعى عليه، من كتاب الأقضية. صحيح مسلم ٣/ ١٣٣٦.
كما أخرجه البخارى، فى: باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}، من كتاب التفسير، من سورة آل عمران. صحيح البخارى ٦/ ٤٣. والنسائى، فى: باب عظة الحاكم على اليمين، من كتاب آداب القضاة. المجتبى ٨/ ٢١٨. وابن ماجه، فى: باب البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه، من كتاب الأحكام. سنن ابن ماجه ٢/ ٧٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>