للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ مِلْكَه بَاقٍ، وقد قال النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ" (٢). ومَعْلُومٌ أنَّ في مَن يَعُولُه مَن تَجِبُ نَفَقَتُه عليه، ويكونُ دَيْنًا عليه، وهي الزَّوْجَةُ، فإذا قَدَّمَ نَفَقَةَ نَفْسِه على نَفَقَةِ الزَّوجَةِ، فكذلك على حَقِّ الغُرَمَاءِ، ولأنَّ الحَيَّ آكَدُ حُرْمَةً من المَيِّتِ، لأنَّه مَضْمُونٌ بالإتْلَافِ، وتَقْدِيمُ تَجْهِيزِ المَيِّتِ، ومُؤْنَةِ دَفْنِه على دَيْنِه، مُتَّفَقٌ عليه. فنَفَقَتُه أوْلَى. وتُقَدَّمُ أيضًا نَفَقَةُ مَن تَلْزَمُه نَفَقَتُه من أقَارِبِه، مثلِ الوَالِدِينَ، والمَوْلُودِينَ، وغيرِهم، ممَّن تَجِبُ نَفَقَتُهُم؛ لأنَّهم يَجْرُونَ مَجْرَى نَفْسِه، لأنَّ ذَوِي رَحِمِه منهم يَعْتِقُونَ إذا مَلَكَهم، كما يَعْتِقُ إذا مَلَكَ نَفْسَه، فكانت نَفَقَتُهُم كنَفَقَتِه، وكذلك زَوْجَتُه تُقَدَّمُ نَفَقَتُها، لأنَّ نَفَقَتَها آكَدُ من نَفَقَةِ الأقَارِبِ؛ لأنَّها تَجِبُ من طَرِيقِ المُعَاوَضَةِ، وفيها مَعْنَى الإحْيَاءِ، كما في الأقَارِبِ، وممَّن أوْجَبَ الإنفَاقَ على المُفْلِسِ وَزَوْجَتِه وأولَادِه الصِّغَارِ من مَالِه، أبو حنيفةَ، ومَالِكٌ، والشَّافِعِيُّ. ولا نَعْلَمُ أحَدًا خَالَفَهم. وتَجِبُ كُسْوَتُهم أيضا، لأنَّ ذلك ممَّا لابُدَّ منه، ولا تَقُومُ النَّفْسُ بِدُونِه، والوَاجِبُ من النَّفَقَةِ والكُسْوَةِ أدْنَى ما يُنْفَقُ على مِثْلِه بالمَعْرُوفِ، وأدْنَى ما يَكْتَسِي مِثْلُه، إن كان من جِنْسِ الطَّعَامِ أو مُتَوَسِّطِه،


(٢) أخرجه النسائي، في: باب أي الصدقة أفضل، من كتاب الزكاة. وفي: باب بيع المدبر، من كتاب البيوع. المجتبى ٥/ ٥٢، ٧/ ٢٦٧.
وبلفظ: "ابدأ بنفسك". أخرجه مسلم، في: باب النفقة بالنفس. . .، من كتاب الزكاة. صحيح مسلم ٢/ ٦٩٣.
وبلفظ: "وابدأ بمن تعول". أخرجه البخاري، في: باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى، من كتاب الزكاة، وفي: باب وجوب النفقة على الأهل والعيال، من كتاب النفقات. صحيح البخاري ٢/ ١٣٩، ٧/ ٨١. وأبو داود، في: باب الرخصة في ذلك، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود ١/ ٣٩٠. والترمذي، في: باب ما جاء في النهي عن المسألة، من أبواب الزكاة، وفي: باب ما جاء في الزهادة في الدنيا، من كتاب الزهد. عارضة الأحوذي ٣/ ١٩٣، ٩/ ٢٠٧. والنسائي، في: باب أيتهما العليا، وباب الصدقة عن ظهر غنى، وباب أي الصدقة أفضل، من كتاب الزكاة. المجتبى ٥/ ٤٦، ٥٢. والدارمي، في: باب من يستحب للرجل الصدقة، وباب فضل اليد العليا، من كتاب الزكاة. سنن الدارمي ١/ ٣٨٩. والإمام أحمد، في: المسند ٢/ ٤/ ١٥٢، ٢٣٠، ٢٤٥، ٢٧٨، ٢٨٨، ٣١٩، ٣٥٨، ٣٦٢، ٣٩٤، ٤٠٢، ٤٣٤، ٤٧٥، ٤٧٦، ٤٨٠، ٥٠١، ٥٢٤، ٥٢٧، ٣/ ٣٣٠، ٣٤٦، ٤٠٢، ٤٠٣، ٤٣٤، ٥/ ٢٦٢. وانظر ما تقدم في ٤/ ١٥٠، ٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>