للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرْكِ بِنَائِه. والرواية الثانية، لا يُجْبَرُ. نُقِلَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على ذلك، وهو أقْوَى دَلِيلًا، ومذهبُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه مِلْكٌ لا حُرْمَةَ له في نَفْسِه، فلم يُجْبَرْ مَالِكُه على الإِنْفَاقِ عليه، كما لو انْفَرَدَ به، ولأنَّه بِنَاءُ حَائِطٍ، فلم يُجْبَرْ عليه، كالابْتِدَاءِ، ولأنَّه لا يَخْلُو، إمَّا أن يُجْبَرَ على بِنَائِه لِحَقِّ نَفْسِه، أو لِحَقِّ جَارِه، أو لِحَقَّيْهِما جَمِيعًا، لا يجوزُ أن يُجْبَرَ عليه لِحَقِّ نَفْسِه، بِدَلِيلِ ما لو انْفَرَدَ به، ولا لِحَقِّ غيره, كما لو انْفَرَدَ به جَارُه، فإذا لم يكُنْ كلُّ واحدٍ منهما موجَبًا عليه، فكذلك إذا اجْتَمَعَا. وفَارَقَ القِسْمَةَ، فإنَّها دَفْعٌ لِلضَّرَرِ عنهما بما لا ضَرَرَ فيه، والباءُ فيه مَضَرَّةٌ، لما فيه من الغَرَامَةِ وإِنْفَاقِ مَالِه، ولا يَلْزَمُ من إِجْبَارِه على إِزَالَةِ الضَّرَرِ بما لا ضَرَرَ فيه، إجْبَارُه على إِزَالَتِه بما فيه ضَرَرٌ، بِدَلِيلِ قِسْمَةِ ما في قِسْمَتِه ضَرَرٌ. ويُفَارِقُ هَدْمَ الحائِطِ إذا خِيفَ سُقُوطُه؛ لأنَّه يَخافُ سُقُوطَ حَائِطِه على ما يتْلِفُه، فيُجْبَرُ على ما يُزِيلُ ذلك، ولهذا يُجْبَرُ عليه، وإن انْفَرَدَ بالحَائِطِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. ولا نُسَلِّمُ أن في تَرْكِه إِضْرَارًا، فإنَّ الضَّرَرِ إنَّما حَصَلَ بِانْهِدَامِه، وإنَّما تَرْكُ البِنَاءِ تَرْكٌ لما يَحْصُلُ النَّفْعُ به، وهذا لا يَمْنَعُ الإِنْسانَ منه، بِدَلِيلِ حَالَةِ الابْتِدَاءِ، وإن سَلَّمْنَا أنَّه إِضْرَارٌ، لكنْ في الإِجْبَارِ إضْرَارٌ، ولا يُزَالُ الضَّرَرُ بالضَّرَرِ، وقد يكونُ المُمْتَنِعُ لا نَفْعَ له في الحائِطِ، أو يكون الضَّرَرُ عليه أكْثَرَ من النَّفْعِ، أو يكونُ مُعْسِرًا ليس معه ما يَبْنِى به، فَيُكَلَّفُ الغَرَامَةَ مع عَجْزِه عنها، فعلَى هذه الرِّوَايَةِ إذا امْتَنَعَ أحَدُهما لم يُجْبَرْ، فإن أرَادَ شَرِيكُه البِنَاءَ فليس له مَنْعُه منه؛ لأنَّ له حَقًّا في الحَمْلِ ورَسْمًا، فلا يجوزُ مَنْعُه منه، وله بِنَاؤُه بِأَنْقَاضِه إن شاءَ، وبِنَاؤُه بآلَةٍ من عنده، فإن بَنَاهُ بآلَتِه وأنْقَاضِه، فالحائِطُ بينهما على الشَّرِكَةِ, كما كان؛ لأَنَّ المُنْفَقَ (٢١) إنَّما أُنْفِقَ على التَّالِفِ، وذلك أثَرٌ لا عَيْنٌ يَمْلِكُها. وإن بَنَاهُ بآلَةٍ من عنده، فالحَائِطُ مِلْكُه خَاصَّةً، وله مَنْعُ شَرِيكِه من الانْتِفاعِ به، ووَضْعِ خَشَبِه وَرُسُومِه عليه؛ لأنَّ الحَائِطَ له. وإذا أرَادَ نَقْضَه، فإن كان بَنَاهُ بآلتِه لم يَمْلِكْ نَقْضَهُ؛ لأنَّه مِلْكُهما، فلم يكنْ له التَّصَرُّفُ [بما] فيه


(٢١) في ب، م زيادة: "عليه".

<<  <  ج: ص:  >  >>