للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمُناضَلَةِ. وقال أصْحابُ الشَّافِعِىِّ، في أحَدِ الوَجْهَيْنِ: لا يَصِحُّ ضَمَانُه؛ لأنَّه لا يَؤُولُ إلى اللُّزُومِ، فلم يَصِحّ ضَمَانُه، كمَالِ الكِتَابَةِ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}. ولأنَّه يَؤُولُ إلى اللُّزوُمِ إذا عَمِلَ العَمَلَ، وإنَّما الذي لا يَلْزَمُ العَمَلُ، والمالُ يَلْزَمُ بِوُجُودِه، والضَّمَانُ لِلْمَالِ دون العَمَلِ. ويَصِحُّ ضَمَانُ أَرْشِ الجِنَايَةِ، سواءٌ كانت نُقُودًا كَقِيَمِ المُتْلَفَاتِ، أو حَيَوانًا كالدِّياتِ. وقال أصْحابُ الشَّافِعِىِّ: لا يَصِحُّ ضَمَانُ الحَيَوَانِ الواجِبِ فيها؛ لأنَّه مَجْهُولٌ. وقد مَضَى الدَّلِيلُ على صِحَّةِ ضَمَانِ المَجْهُولِ، ولأنَّ الإِبِلَ الوَاجبَةَ في الذِّمَّةِ مَعْلُومَةُ الأَسْنَانِ والعَدَدِ، وجَهَالَةُ اللَّوْنِ أو غيره من الصِّفَاتِ البَاقِيَةِ لا تَضُرُّ؛ لأنَّه إنما يَلْزَمُهُ أَدْنَى لَوْنٍ أو صِفَةٍ فتَحْصُلُ مَعْلُومَةً، وكذلك غيرُها من الحَيَوانِ، ولأنَّ جَهْلَ ذلك لم يَمْنَعْ وُجُوبَه بالإِتْلَافِ، فلم يَمْنَعْ وُجُوبَهُ بالالْتِزَامِ. ويَصِحُّ ضَمَانُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، سواءٌ كانت نَفَقَةَ يَوْمِها أو مُسْتَقْبَلَةً؛ لأنَّ نَفَقَةَ اليَوْمِ وَاجِبَةٌ، والمُسْتَقْبَلَةَ مآلُها إلى اللُّزُومِ، ويَلْزَمُه ما يَلْزَمُ الزَّوْجَ في قِيَاسِ المَذْهَبِ. وقال القاضِى: إذا ضَمِنَ نَفَقَةَ المُسْتَقْبَلِ، لم تَلْزَمْهُ إلَّا نَفَقَةُ المُعْسِرِ؛ لأنَّ الزِّيَادَةَ على ذلك تَسْقُطُ بالإِعْسَارِ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ على القولِ الذي [قال فيه: يَصِحُّ] (١٩) ضَمَانُها. ولَنا، أنَّه يَصِحُّ ضَمانُ ما لم يَجِبْ، واحْتِمَالُ عَدَمِ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ لا يَمْنَعُ صِحَّةَ ضَمَانِها، بِدَلِيلِ الجُعْلِ في الجُعَالَةِ، والصَّدَاقِ قبلَ الدُّخُولِ، والمَبِيعِ في مُدَّةِ الخِيَارِ. فأمَّا النَّفَقَةُ في الماضِى، فإن كانت وَاجِبَةً، إمَّا بِحُكْمِ الحَاكِمِ بها، أو قُلْنا: بِوُجُوبِها بدون حُكْمِه، صَحَّ ضَمَانُها، وإلَّا فلا. ويَصِحُّ ضَمَانُ مَالِ السَّلَمِ، في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. والأُخْرَى لا يَصِحُّ؛ لأنَّه يُؤَدِّى إلى اسْتِيفَاءِ المُسْلَمِ فيه من (٢٠) غيرِ المُسْلَمِ إليه، فلم يَجُزْ، كالحَوَالَةِ به. والأُولَى (٢١) أصَحُّ؛ لأنَّه دَيْنٌ لَازِمٌ فَصَحَّ ضَمَانُه، كالأُجْرَةِ وثَمَنِ المَبِيعِ. ولا يَصِحُّ ضَمَانُ مَالِ الكِتَابَةِ، في


(١٩) في ب: "فارقه بصحة".
(٢٠) سقط من: أ.
(٢١) في م: "والأول".

<<  <  ج: ص:  >  >>