للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدِه، فَلَزِمَ (٢٦) ضَامِنهُ، كالغُصُوبِ (٢٧) والعَوَارِى. وهذا في الحَقِيقَةِ ضَمَانُ ما لم يَجِبْ، وقد بَيَّنَّا جَوَازَهُ. ويَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ المَبِيعِ عن البَائِعِ لِلْمُشْتَرِى، وعن المُشْتَرِى لِلْبَائِعِ، فضَمَانُه على المُشْتَرِى هو أن يَضْمَنَ الثَّمَنَ الوَاجِبَ بالبَيْعِ قبل تَسْلِيمِه، وإن ظَهَرَ فيه عَيْبٌ أو اسْتُحِقَّ، رَجَعَ بذلك على الضَّامِنِ، وضَمَانُه عن البَائِعِ لِلْمُشْتَرِى هو أن يَضْمَنَ عن البائِعِ الثمَنَ متى خَرَجَ المَبِيعُ مُسْتَحَقًّا، أو رُدَّ بِعَيْبٍ، أو أَرْشِ العَيْبِ. فَضَمَانُ العُهْدَةِ في المَوْضِعَيْنِ هو ضَمَانُ الثَّمَنِ أو جُزْءٍ منه عن أحَدِهِمَا لِلآخَرِ. وحَقِيقَةُ العُهْدَةِ الكِتَابُ الذي يَكْتُبُ فيه وَثِيقَةَ البَيْعِ، ويَذْكُرُ فيه الثَّمَنَ، فَعُبِّرَ به عن الثَّمَنِ الذي يَضْمَنُه. وممن أجازَ ضَمانَ العُهْدَةِ في الجملة أبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ. ومَنَعَ منه بعضُ الشَّافِعِيَّةِ؛ لكَوْنِه ضَمَانَ ما لم يَجِبْ، وضَمَانَ مَجْهُولٍ، وضَمَان عينٍ. وقد بَيَّنَّا جَوَازَ الضَّمَانِ في ذلك كلِّه. ولأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إلى الوَثِيقَةِ على البائِعِ، والوَثَائِقُ ثَلَاثَةٌ؛ الشَّهَادَةُ، والرَّهْنُ، والضَّمَانُ. فأمَّا الشَّهَادَةُ فلا يُسْتَوْفَى منها الحَقُّ، وأما الرَّهْنُ فلا يجوزُ في ذلك بالإِجْمَاعِ؛ لأنَّه يُؤَدِّى إلى أن يَبْقَى أبَدًا مَرْهُونًا، فلم يَبْقَ إلَّا الضَّمَانُ. ولأنَّه لا يَضْمَنُ إلَّا ما كان وَاجِبًا حالَ العَقْدِ؛ لأنَّه إنما يَتَعَلَّقُ بالضَّمَانِ حُكْمٌ إذا خَرَجَ مُسْتَحَقًّا أو مَعِيبًا حالَ العَقْدِ، ومتى كان كذلك، فقد ضَمِنَ ما وَجَبَ حين العَقْدِ، والجَهَالَةُ مُنْتَفِيَةٌ؛ لأنَّه ضَمِنَ الجُمْلَةَ، فإذا خَرَجَ بعضُه مُسْتَحَقًّا، لَزِمَهُ بعضُ ما ضَمِنَهُ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يَصِحُّ ضَمَانُ العُهْدَةِ عن البائِعِ لِلْمُشْتَرِى قبلَ قَبْضِ الثَّمَنِ وبعدَه. وقال الشَّافِعِىُّ: إنَّما يَصِحُّ بعدَ القَبْضِ؛ لأنَّه قبلَ القَبْضِ لو خَرَجَ مُسْتَحَقًّا لم يَجِبْ على البائِعِ شيءٌ. وهذا يَنْبَنِى على ضَمَانِ ما لم يَجِبْ إذا كان مُفْضِيًا إلى الوُجُوبِ، كالجُعَالَةِ. وأَلْفاظُ ضَمانِ العُهْدَةِ أن يقولَ: ضَمِنْتُ عُهْدَتَه أو ثَمَنَهُ أو دَرَكَهُ. أو يقولَ لِلْمُشْتَرِى: ضَمِنْتُ خَلَاصَكَ منه. أو يقولَ: متى خَرَجَ المَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فقد ضَمِنْتُ لك الثَّمَنَ. وحُكِىَ عن أبي يوسفَ، أنَّه قال: ضَمِنْتُ


(٢٦) في ب: "فلزمه".
(٢٧) في ب: "كالمغصوب".

<<  <  ج: ص:  >  >>