للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرْجِع (٢)؛ لأنَّه دَفَعَ بغيرِ أمْرِه، أشْبَهَ ما لو تَبَرَّعَ به. الثالثُ، أنَّه إن تَعَذَّرَ الرُّجُوعُ على المَضْمُونِ عنه، فدفَع ما عليه، رَجَعَ، وإلَّا فلا؛ لأنَّه تَبَرَّعَ بالدَّفْعِ. ولَنا، أنَّه إذا أَذِنَ في الضَّمَانِ، تَضَمَّنَ ذلك إِذْنَه في الأَدَاءِ؛ لأنَّ الضَّمَانَ يُوجِبُ عليه الأَدَاءَ، فيَرْجعُ (٣) عليه، كما لو أَذِنَ في الأَدَاءِ صَرِيحًا. الحالُ الثالث، ضَمِنَ بغير أمْرِه، وقَضَى بأَمْرِه، فله الرُّجُوعُ أيضًا. وظَاهِرُ مذهبِ الشَّافِعِىِّ أنَّه لا يَرْجِعُ؛ لأنَّ (٤) أَمْرَهُ بالقَضاءِ انْصَرَفَ إلى ما وَجَبَ بِضَمَانِه. [ولَنا: أنَّه أَدَّى دَيْنَه بأَمْرِهِ، فرَجَعَ عليه، كما لو لم يكُنْ ضَامِنًا، أو كما لو ضَمِنَ بأَمْرِه. وقولُهم: إنَّ إِذْنَه في القَضَاءِ انْصَرَفَ إلى ما وَجَبَ بِضَمَانِه] (٥). قُلْنا: الوَاجبُ (٦) بِضَمَانِه إنَّما هو أدَاءُ دَيْنِه، وليس هو شَيْئًا آخَرَ، فمتى أدَّاهُ عنه بإِذْنِه لَزِمَهُ إعْطَاؤُه بَدَلَهُ. الحالُ الرابع، ضَمِنَ بغير أَمْرِه، وقَضَى بغير أمْرِه، ففيه رِوَايَتانِ؛ إحداهما، يَرْجِعُ بما أَدَّى. وهو قولُ مالكٍ، وعبدِ اللهِ بن الحسنِ، وإسْحاقَ. والثانية، لا يَرْجِعُ بشيءٍ. وهو قولُ أبى حنيفةَ، والشَّافِعِىِّ، وابنِ المُنْذِرِ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ عَلِىٍّ وأبى قَتَادَةَ (٧)، فإنَّهما لو كانا يَسْتَحِقَّانِ الرُّجُوعَ على المَيِّتِ، صَارَ الدَّيْنُ لهما، فكانت ذِمَّةُ المَيِّتِ مَشْغُولَةً بِدَيْنِهِما، كاشْتِغَالِها بِدَيْنِ المَضْمُونِ عنه، ولم يُصَلِّ عليه النَّبِىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولأنَّه تَبَرَّعَ بذلك، أشْبَهَ ما لو عَلَفَ دَوَابَّهُ وأطْعَمَ عَبِيدَه بغيرِ أمْرِهِ. ووَجْهُ الأُولَى، أنَّه قَضاءٌ مُبْرِىءٌ من دَيْنٍ واجبٍ، فكان مِن ضَمانِ مَن هو عليه، كالحَاكِمِ إذا قَضَاهُ عنه عندَ امْتِنَاعِه. فأمَّا عَلِىٌّ وَأبو قَتادَةَ، فإنَّهما تَبَرَّعَا بالقَضَاءِ والضَّمَانِ، فإنَّهما قَضَيَا دَيْنَه قَصْدًا لتَبْرِئَةِ ذِمَّتِه، لِيُصَلِّىَ عليه رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، مع عِلْمِهِما بأنَّه لم يَتْرُكْ


(٢) في م زيادة: "به".
(٣) في أ، ب، م: "فرجع".
(٤) في النسخ: "لأنه".
(٥) سقط من: ب.
(٦) في الأصل: "والواجب".
(٧) تقدما في صفحة ٧١، ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>