بِنِصْفِ ما يَرْزُقُه اللهُ تعالى أو ثُلُثه، جازَ. ولا أرَى لهذا وَجْهًا؛ فإنَّ الإِجارَةَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِها العِلْمُ بالعِوَضِ، وتَقْدِيرُ المُدَّةِ أو العَمَلِ، ولم يُوجَدْ، ولأنَّ هذا عَقْدٌ غيرُ مَنْصُوصٍ عليه، ولا هو في معنى المَنْصُوصِ، فهو كسائِر العُقُودِ الفاسِدَةِ، إلَّا أن يُرِيدَ بالإِجارَةِ المُعامَلَةَ على الوَجْهِ الذي تَقَدَّمَ. وقد أشَارَ أحمدُ إلى ما يَدُلُّ على تَشْبِيهِه لمثلِ هذا بالمُزارَعَةِ، فقال: لا بَأْسَ بالثَّوْبِ يُدْفَعُ بالثُّلُثِ والرُّبعِ؛ لِحَدِيثِ جابِرٍ، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أعْطَى خَيْبَرَ على الشَّطْرِ (٢٢). وهذا يَدُلُّ على أنَّه قد صارَ في هذا ومثله إلى الجَوَازِ؛ لشَبَهِهِ بالمُساقاةِ والمُزارَعَةِ، لا إلى المُضارَبَةِ، ولا إلى الإِجارَةِ. ونَقَلَ أبو داودَ، عن أحمدَ، في مَن يُعْطِى فَرَسَهُ على النِّصْفِ من الغَنِيمَةِ: أَرْجُو أن لا يكونَ به بَأْسٌ. قال إسحاقُ بن إبراهيمَ: قال أبو عبدِ اللهِ: إذا كان على النِّصْفِ والرُّبْعِ، فهو جائِزٌ. وبه قال الأَوْزاعِىُّ. ونَقَلَ أحمدُ بن سَعِيدٍ، عن أحمدَ، في مَن دَفَعَ عَبْدَهُ إلى رجلٍ لِيَكْسِبَ عليه، ويكونَ له ثُلُثُ ذلك أو رُبُعُه، فجائِزٌ، والوَجْهُ فيه ما ذَكَرْناهُ في مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ. وإن دَفَعَ ثَوْبَهُ إلى خَيَّاطٍ لِيُفَصِّلَهُ قُمْصَانًا يَبِيعُها، وله نِصْفُ رِبْحِها بِحَقِّ عَمَلِه، جَازَ. نَصَّ عليه في رِوايَةِ حَرْبٍ، وإنْ دَفَعَ غَزْلًا إلى رَجُلٍ يَنْسِجُه ثَوْبًا بِثُلُثِ ثَمَنِه أو رُبُعِه، جَازَ. نَصَّ عليه. ولم يُجِزْ مالِكٌ وأبو حنيفةَ والشَّافِعِىُّ شَيْئًا من ذلك؛ لأنَّه عِوَضٌ مَجْهُولٌ وعَمَلٌ مَجْهُولٌ. وقد ذَكَرْنا وَجْهَ جَوازِه. وإن جَعَلَ له مع ذلك دَراهِمَ مَعْلُومَةً، لم يَجُزْ. نَصَّ عليه. وعنه الجَوازُ. والصَّحِيحُ الأَوَّلُ. وقال أبو بكرٍ: هذا قولٌ قَدِيمٌ، وما رُوِىَ غيرُ هذا فعليه المُعْتَمَدُ. قال الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللَّه يقول: لا بَأْسَ بالثَّوْبِ يُدْفَعُ بالثُّلُثِ والرُّبُعِ. وسُئِلَ عن الرَّجُلِ يُعْطِى الثَّوْبَ بالثُّلُثِ وَدِرْهَمٍ ودِرْهَمَيْنِ؟ قال: أكْرَهُه؛ لأنَّ هذا شيءٌ لا يُعْرَفُ. والثُّلُثُ إذا لم يكُنْ معه شيءٌ نَراهُ جائِزًا؛ لِحَدِيثِ جابِرٍ، أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أعْطَى
(٢٢) أخرجه أبو داود، في: باب في الخرص، من كتاب البيوع. سنن أبي داود ٢/ ٢٣٦.