للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيمَتِه، ولأنَّ القِيمَةَ قد تَزِيدُ في أحَدِهِما قبلَ بَيْعِه، فيُشَارِكُه الآخَرُ في العَيْنِ المَمْلُوكَةِ له، ولا يجوزُ وُقُوعُها على أثْمانِها؛ لأنَّها مَعْدُومَةٌ حالَ العَقْدِ ولا يَمْلِكَانِها، ولأنَّه (١٤) إن أرادَ ثَمَنَها الذي اشْتَراهَا به، فقد خَرَجَ عن مِلْكِه (١٥) وصَارَ لِلْبَائِعِ، وإن أرادَ ثَمَنَها الذي يَبِيعُها به، فإنَّها تَصِيرُ شَرِكَةً مُعَلَّقَةً على شَرْطٍ، وهو بَيْعُ الأَعْيانِ، ولا يجوزُ ذلك. وعن أحمدَ رِوَايةٌ أُخْرَى، أنَّ الشَّرِكَةَ والمُضَارَبَةَ تجوزُ بالعُرُوضِ، وتُجْعَلُ قِيمَتُها وَقْتَ العَقْدِ رَأْسَ المالِ. قال أحمدُ: إذا اشْتَرَكَا في العُرُوضِ، يُقَسَّمُ الرِّبْحُ على ما اشْتَرَطَا. وقال الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللَّه يُسْأَلُ عن المُضَارَبَةِ بالمَتَاعِ؟ فقال: جائِزٌ. فظَاهِرُ هذا صِحَّةُ الشَّرِكَةِ بها. اخْتَارَ هذا أبو بكرٍ، وأبو الخَطَّابِ. وهو قولُ مالِكٍ، وابنِ أبي لَيْلَى. وبه قال في المُضَارَبَةِ طَاوُسٌ، والأَوْزَاعِىُّ، وحَمَّادُ بن أبي سليمانَ؛ لأنَّ مَقْصُودَ الشَّرِكَةِ جَوَازُ تَصَرُّفِها في المَالَيْنِ جَمِيعًا، وكَوْنُ رِبْحِ المالَيْنِ (١٦) بينهما، وهذا يَحْصُلُ في العُرُوضِ كَحُصُولِه في الأَثْمانِ، فيَجِبُ أن تَصِحَّ الشَّرِكَةُ والمُضارَبَةُ بها، كالأثْمانِ. ويَرْجِعُ كلُّ واحدٍ منهما عندَ المُفَاصَلَةِ بِقِيمَةِ مَالِه عند العَقْدِ، كما أنَّنا جَعَلْنَا نِصَابَ زَكَاتِها قِيمَتَها. وقال الشَّافِعِىُّ: إن كانت العُرُوضُ من ذَوَاتِ الأَمْثالِ؛ كالحُبُوبِ والأَدْهانِ، جَازَتِ الشَّرِكَةُ بها، في أحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّها من ذَوَاتِ الأَمْثالِ، أشْبَهَتِ النُّقُودَ، ويَرْجِعُ عند المُفَاصَلَةِ بِمِثْلِها. وإن لم تَكُنْ من ذَوَاتِ الأَمْثَالِ، لم يَجُزْ، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّه لا يمكنُ الرُّجُوعُ بِمِثْلِها. ولَنا، أنَّه نَوْعُ شَرِكَةٍ، فاسْتَوَى فيها مَالَهُ مِثْلٌ من العُرُوضِ وما لا مِثْلَ له، كالمُضَارَبَةِ، وقد سَلَّمَ أنَ المُضَارَبةَ لا تجوزُ بشيءٍ من العُرُوضِ، ولأنَّها ليست بِنَقْدٍ، فلم تَصِحَّ الشَّرِكَةُ بها، كالذى لا مِثْلَ له.


(١٤) في أ: "ولأنها".
(١٥) في الأصل، م: "مكانه".
(١٦) في الأصل: "المال".

<<  <  ج: ص:  >  >>