للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسَب ما يَشْتَرِطَانِه، فأهْلُ العِرَاقِ يُسَمُّونَهُ مُضَارَبةً، مَأْخُوذٌ (٤٨) من الضَّرْبِ في الأَرْضِ، وهو السَّفَرُ فيها للتِّجارَةِ، قال اللهُ تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (٤٩). ويَحْتَمِلُ أن يكونَ من ضَرْبِ كلِّ واحدٍ منهما في الرِّبْحِ بِسَهْمٍ. ويُسَمِّيهِ أهْلُ الحِجَازِ القِرَاضَ. فقيل: هو مُشْتَقٌّ من القَطْعِ. يُقال: قَرَضَ الفَأْرُ الثَّوْبَ. إذا قَطَعَهُ. فكأنَّ صَاحِبَ المالِ اقْتَطَعَ من مَالِه قِطْعةً وسَلَّمَها إلى العامِلِ، واقْتَطَعَ له قِطْعَةً من الرِّبْحِ. وقيل: اشْتِقاقُة من المُسَاواةِ والمُوازَنةِ. يُقال: تَقَارَضَ الشَّاعِرانِ. إذا وَازَنَ كلُّ واحدٍ منهما الآخَرَ بِشِعْرِه. وههُنا من العامِلِ العَمَلُ، ومن الآخَرِ المالُ، فتَوَازَنَا. وأجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على جَوازِ المُضارَبةِ في الجُمْلةِ. ذَكَرَهُ ابنُ المُنْذِرِ. ورُوِىَ عن حُمَيْدِ بن عبدِ اللهِ، عن أبِيه، عن جَدِّه، أن عُمَرَ بن الخَطَّابِ أعْطاهُ مالَ يَتِيمٍ مُضَارَبةً يَعْمَلُ به في العِرَاقِ (٥٠). ورَوَى مالِكٌ (٥١)، عن زَيْدِ بن أسْلَمَ، عن أبِيه: أنَّ عبدَ اللَّه وعُبَيْدَ اللهِ ابْنَىْ عمرَ بن الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّه عنهم، خَرَجَا في جَيْشٍ إلى العِرَاقِ، فتَسَلَّفَا من أبى مُوسَى مالًا، وابْتاعَا به مَتَاعًا. وقَدِمَا به إلى المَدِينةِ، فبَاعَاهُ، ورَبِحَا فيه، فأرادَ عُمَرُ أخْذَ رَأْسِ المالِ والرِّبْحِ كلِّه. فقالا: لو تَلِفَ كان ضَمَانُه علينا، فلِمَ لا يكونُ رِبْحُه لنا؟ فقال رَجُلٌ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لو جَعَلْتَهُ قِرَاضًا؟ قال: قد جَعَلْتُه. وأخَذَ منهما نِصْفَ الرِّبْحِ. وهذا يَدُلُّ على جَوَازِ القِرَاضِ. وعن مالِكٍ (٥٢)، عن العَلَاءِ بن عبد الرحمنِ، عن أبِيه، عن جَدِّه، أن عثمانَ قارَضَهُ.


(٤٨) في أ، ب، م: "مأخوذة".
(٤٩) سورة المزمل ٢٠.
(٥٠) ذكر الزيلعي، أن البيهقي أخرجه في المعرفة، من طريق الشافعي، أنه بلغه عن حميد بن عبد اللَّه بن عبيد الأنصاري. فساق الأثر. نصب الراية ٤/ ١١٤، ١١٥.
(٥١) أخرجه في: باب ما جاء في القراض، من كتاب القراض. الموطأ ٢/ ٦٨٧.
وأخرجه أيضًا الدارقطني في: كتاب البيوع. سنن الدارقطني ٣/ ٦٣. والبيهقي، في: كتاب القراض. السنن الكبرى ٦/ ١١٠.
(٥٢) أخرجه في: باب ما جاء في القراض، من كتاب القراض. الموطأ ٢/ ٦٨٨.
كما أخرجه البيهقي، في: كتاب القراض: السنن الكبرى ٦/ ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>