للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المالُ الأَوَّلُ كَثِيرًا متى اشْتَغَلَ عنه بغيرِه انْقَطَعَ عن بعضِ تَصَرُّفاتِه، لم يَجُزْ له ذلك. وقال أكْثَرُ الفُقَهاءِ: يجوزُ؛ لأنَّه عَقْدٌ لا يَمْلِكُ به مَنَافِعَه كلَّها، فلم يَمْنَعْ من المُضَارَبةِ، كما لو لم يكُنْ فيه ضَرَرٌ، وكالأَجِيرِ المُشْتَرَكِ. ولَنا، أنَّ المُضَارَبةَ على الحَظِّ والنَّمَاءِ، فإذا فَعَلَ ما يَمْنَعُه، لم يَكُنْ له، كما لو أرادَ التَّصَرُّفَ بالعَيْنِ، وفارَقَ ما لا ضَرَرَ فيه. فعلى هذا إذا فَعَلَ ورَبِحَ، رَدَّ الرِّبْحَ في شَرِكَةِ الأَوَّلِ، ويَقْتَسِمانِه، فلْيَنْظُرْ (٨) ما رَبِحَ في المُضَارَبةِ الثانِيةِ، فيَدْفَعُ إلى رَبِّ المالِ منها نَصِيبَهُ، ويَأْخُذُ المُضَارِبُ نَصِيبَه من الرِّبْحِ، فيَضُمُّهُ إلى رِبْحِ المُضَارَبةِ الأُولَى، ويُقَاسِمُه لِرَبِّ (٩) المُضَارَبةِ الأُولَى؛ لأنَّه اسْتَحَقَّ حِصَّتَه من الرِّبْحِ بالمَنْفَعَةِ التي اسْتُحِقَّتْ بالعَقْدِ الأَوَّلِ، فكان بينهما، كرِبْحِ المالِ الأَوَّلِ. فأمَّا حِصَّةُ رَبِّ المالِ الثاني من الرِّبْحِ، فتُدْفَعُ إليه؛ لأنَّ العُدْوانَ من المُضارِبِ لا يُسْقِطُ حَقَّ رَبِّ المالِ الثاني، ولأنَّا لو رَدَدْنَا رِبْحَ الثاني كلَّه في الشَّرِكَةِ الأُولَى، لَاخْتَصَّ الضَّرَرُ بِرَبِّ المالِ الثاني، ولم يَلْحَقِ المُضَارِبَ شيءٌ من الضَّرَرِ، والعُدْوَانُ منه، بل ربَّما انْتَفَعَ إذا كان قد شَرَطَ الأَوَّلُ النِّصْفَ والثانى الثُّلُثَ، ولأنَّه لا يَخْلُو إمَّا أن يُحْكَمَ بِفَسَادِ المُضَاربةِ الثانية، أو بِصِحَّتِها، فإن كانت فاسِدَةً، فالرِّبْحُ كلُّه لِرَبِّ المالِ، ولِلْمُضارِبِ أجْرُ مِثْلِه، وإن حَكَمْنا بِصِحَّتِها، وَجَبَ صَرْفُ حِصَّةِ رَبِّ المالِ إليه بمُقْتَضَى العَقْدِ ومُوجِبِ الشَّرْطِ. والنَّظَرُ يَقتَضِى أن لا يَسْتَحِقَّ رَبُّ المُضَارَبةِ الأُولَى من رِبْحِ (١٠) الثانيةِ شيئا؛ لأنَّه إنَّما يَسْتحِقُّ بمالٍ أو عَمَلٍ، وليس له في المُضَارَبةِ الثانيةِ مالٌ ولا عَمَلٌ. وتَعَدِّى المُضَارِبِ إنَّما كان بِتَرْكِ العَمَلِ، واشْتِغالِه عن المالِ الأَوَّلِ، وهذا لا يُوجِبُ عِوَضًا، كما لو اشْتَغَلَ بالعَمَلِ في مالِ نَفْسِه، أو آجَرَ نَفْسَه، أو تَرَكَ التِّجَارَةَ لِلَعِبٍ، أو اشْتِغالٍ بِعِلْمٍ، أو غير ذلك. ولو أوْجَبَ عِوَضًا، لأَوْجَبَ شيئا مُقَدَّرًا، لا يَخْتَلِفُ ولا يَتَقَدَّرُ بِرِبْحِه في الثاني. واللَّه أعلمُ.


(٨) في الأصل، ب: "ينتظر".
(٩) في م: "رب".
(١٠) في الأصل، م: "رب".

<<  <  ج: ص:  >  >>