للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدُها، أن يَخْتَلِفَا في التَّلَفِ، فيقولَ الوَكِيلُ: تَلِفَ مَالُكَ في يَدِى، أو الثَّمنُ الذي قَبَضْتُه ثَمنَ مَتَاعِكَ تَلِفَ في يَدِى. فيُكَذِّبُه المُوَكِّلُ. فالقولُ قولُ الوَكِيلِ مع يَمِينِه؛ لأنَّه أمِينٌ، وهذا ممَّا يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ البَيِّنَةِ عليه، فلا يُكَلَّفُ ذلك كالمُودِعِ. وكذلك كلُّ مَن كان في يَدِه شيءٌ لغيرِه على سَبِيلِ الأمَانةِ، كالأبِ، والوَصِىِّ، وأمِينِ الحاكِمِ، والمُودعِ، والشَّرِيكِ، والمُضَاربِ، والمُرْتَهِنِ، والمُسْتَأْجِرِ، والأَجِيرِ المُشْتَركِ، وإنَّما كان كذلك، لأنَّه لو كُلِّفَ ذلك مع تَعَذُّرِه عليه، لَامْتَنَعَ الناسُ من الدُّخُولِ في الأَمَاناتِ مع الحاجَةِ إليها، فيَلْحَقَهُم الضَّرَرُ. قال القاضي: إلَّا أن يَدَّعِىَ التَّلَفَ بأَمْرٍ ظاهِرٍ، كالحَرِيقِ والنَّهْبِ وشِبْهِهما، فعليه إقامَةُ البَيِّنَةِ على وُجُودِ هذا الأَمْرِ في تلك الناحِيَةِ، ثم يكونُ القولُ قولَه في تَلَفِها بذلك. وهذا قولُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ وُجُودَ الأَمْرِ الظَّاهِرِ ممَّا (١) لا يَخْفَى، فلا تَتَعَذَّرُ إقَامةُ البَيِّنَةِ عليه.

الحال الثانية، أن يَخْتَلِفَا في تَعَدِّى الوَكِيلِ أو تَفْرِيطِه في الحِفْظِ، ومُخَالَفَتِه أمْرَ مُوَكِّلِه، مثل أن يَدَّعِىَ عليه أنَّكَ حَمَلْتَ على الدَّابّةِ فوق طَاقَتِها، أو حَمَلْتَ عليها شَيْئًا لِنَفْسِكَ، أو فَرَّطْتَ في حِفْظِها، أو لَبِسْتَ الثَّوْبَ، أو أَمَرْتُك بِرَدِّ المالِ فلم تَفْعَلْ. ونحو ذلك، فالقولُ قولُ الوَكِيلِ أيضًا مع يَمِينِه؛ لما ذَكَرْنا في الذي قَبْلَه، ولأنَّه مُنْكِرٌ لِما يُدَّعَى عليه، والقولُ قولُ المُنْكِرِ. ومتى ثَبَتَ التَّلَفُ في يَدِه من غير تَعَدِّيه، إمَّا لقَبُولِ قَوْلِه، وإمَّا بإِقْرَارِ مُوَكِّلِه أو بَيِّنَةٍ (٢)، فلا ضَمَانَ عليه، سواءٌ تَلِفَ المتَاعُ الذي أُمِرَ بِبَيْعِه، أو بَاعَهُ وقَبَضَ ثَمَنَهُ فتَلِفَ الثَّمَنُ، وسواءٌ كان بِجُعْلٍ أو بغيرِ جُعْلٍ؛ لأنَّه نائِبُ المالِكِ في اليَدِ والتَّصَرُّفِ، فكان الهَلَاكُ في يَدِه كالهَلَاكِ في يَدِ المالِكِ، وجَرَى مَجْرَى المُودِعِ والمُضَارِبِ وشِبْهِهما. وإن تَعَدَّى أو فَرَّطَ، ضَمِنَ. وكذلك سائِرُ الأُمَناءِ. ولو باعَ الوَكِيلُ سِلْعةً وقَبَضَ ثَمَنَها، فتَلِفَ من غير تَعَدٍّ، واسْتُحِقَّ المَبِيعُ، رَجَعَ المُشْتَرِى بالثَّمَنِ على المُوَكِّلِ دون الوَكِيلِ؛ لأنَّ المَبِيعَ له، فالرُّجُوعُ بالعُهْدَةِ عليه، كما لو باعَ بِنَفْسِه.


(١) سقط من: الأصل.
(٢) في الأصل: "ببينة".

<<  <  ج: ص:  >  >>