للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان القولُ قولَه، كالأَوَّلِ. والثانى، لا يُقْبَلُ قَوْلُه؛ لأنَّه قَبَضَ المالَ لِنَفْعِ نَفْسِه، فلم يُقْبَلْ قَوْله في الرَّدِّ، كالمُسْتَعِيرِ. وسواءٌ اخْتَلَفَا في رَدِّ العَيْنِ، أو رَدِّ ثَمَنِهَا. وجُمْلَةُ الأُمَناءِ على ضَرْبَيْنِ؛ أحدِهما، مَن قَبَضَ المالَ لِنَفْعِ مالِكِه لا غيرُ، كالمُودَعِ والوَكِيلِ بغير جُعْلٍ، فيُقْبَلُ قَوْلُهم في الرَّدِّ؛ لأنَّه لو لم يُقْبَلْ قَوْلُهم لَامْتَنَعَ النَّاسُ من قَبُولِ هذه الأَمَاناتِ، فيَلْحَقُ الناسَ الضَّرَرُ. الثاني، مَن يَنْتَفِعُ بِقَبْضِ الأَمانَةِ، كالوَكِيلِ بِجُعْلٍ، والمُضَارِبِ، والأَجِيرِ المُشْتَركِ، والمُسْتَأْجِرِ، والمُرْتَهِنِ، ففيهم وَجْهانِ. ذَكَرَهما أبو الخَطّابِ. وقال القاضي: لا يُقْبَلُ قَوْلُ المُرْتَهِنِ والمُسْتَأْجِرِ والمُضَارِبِ في الرَّدِّ؛ لأنَّ أحمدَ نَصَّ عليه في المُضَارِبِ، في رِوَايةِ ابن مَنْصُورٍ، ولأنَّ مَن قَبَضَ المالَ لِنَفْعِ نَفْسِه، لا يُقْبَلُ قولُه في الرَّدِّ. ولو أَنْكَرَ الوَكِيلُ قَبْضَ المالِ، ثم ثَبَتَ ذلك بِبَيِّنَةٍ، أو اعْتِرافٍ (٨)، فَادَّعَى الرَّدَّ أو التَّلَفَ، لم يُقْبَلْ قَوْلُه؛ لأنَّ خِيَانَتَهُ قد ثَبَتَتْ بِجَحْدِه. فإن أقَامَ بَيِّنَةً بما ادَّعاهُ من الرَّدِّ أو التَّلَفِ، فهل تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؟ على وَجْهَيْنِ؛ أحدهما، لا تُقْبَلُ؛ لأنَّه كَذَّبَها بِجَحْدِه، فإنَّ قَوْلَهُ: ما قَبَضْتُ. يَتَضَمَّنُ أنَّه لم يَرُدَّ شيئا. والثانى: تُقْبَلُ؛ لأنَّه يَدَّعِى الرَّدَّ والتَّلَفَ قبلَ وُجُودِ خِيَانَتِه. وإن كان جُحُودُه أنَّك لا تَسْتَحِقُّ علَىَّ شيئا، أو مالَكَ عِنْدِى شيءٌ، سُمِعَ قولُه مع يَمِينِه؛ لأنَّ جَوَابَهُ لا يُكَذِّبُ ذلك، فإنَّه إذا كان قد تَلِفَ أو رُدَّ، فليس له (٩) عندَه شيءٌ. فلا تَنَافِىَ بين القَوْلَيْنِ، إلَّا أن يَدَّعِىَ أنَّه رَدَّهُ أو تَلِفَ بعد قولِه: مالَكَ عندى شيءٌ. فلا يُسْمَعُ قولُه أيضًا؛ لِثُبُوتِ كَذِبِه وخِيَانَتِه.

الحال الخامسة، إذا اخْتَلَفَا في أَصْلِ الوَكَالَةِ، فقال: وَكَّلْتَنِى. فأنْكَرَ المُوَكِّلُ، فالقولُ قولُ المُوَكِّلِ؛ لأنَّ الأَصْلَ عَدَمُ الوَكَالةِ، فلم يُثْبِتْ أنَّه أمِينُه لِيُقْبَلَ قولُه عليه. ولو


(٨) في ب، م: "اعترف".
(٩) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>