للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَزِمَهُ الدِّرْهَمانِ اللَّذانِ أَقَرَّ بهما. ولَنا، أنَّه إنَّما نَفَى الاقْتِصَارَ على واحدٍ، وأَثْبَتَ الزِّيَادَةَ عليه، فأَشْبَهَ ما لو قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ، بل أَكْثَرُ. فإنَّه لا يَلْزَمُه أكْثَرُ من اثْنَيْنِ. وإن قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ، بل دِرْهَمٌ، أو لكن دِرْهَمٌ. ففيه وَجْهَانِ؛ أحَدُهما، يَلْزَمُه دِرْهَمٌ واحِدٌ؛ لأنَّ أحمدَ قال في مَن قال لِامْرَأَتِه: أَنْتِ طالِقٌ، لا بل أنْتِ طَالِقٌ: إنها لا تُطَلَّقُ إلَّا واحِدَةً. وهذا في مَعْنَاه. وهذا مذهبُ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّه أقَرَّ بِدِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ، فلم يَلْزَمْهُ أكْثَرُ من دِرْهَمٍ، كما لو أقَرَّ بِدِرْهَمٍ ثم أنْكَرَهُ، ثم قال: بل عَلَىَّ دِرْهَمٌ. و "لكن" للاسْتِدْرَاكِ، فهى [في مَعْنَى] (١٤) "بَلْ" إلَّا أن الصَّحِيحَ أنَّها لا تُسْتَعْمَلُ إلَّا بعدَ الجَحْدِ، إلَّا أن يُذْكَرَ بعدَها جُمْلَةٌ. والوَجْهُ الثاني، يَلْزَمُه دِرْهَمانِ. ذَكَرَهُ ابنُ أبى موسى وأبو بكرٍ عبدُ العزيزِ. ويَقْتَضِيهِ (١٥) قَوْلُ زُفَرَ ودَاوُدَ؛ لأنَّ ما بعدَ الإِضْرَابِ يُغَايِرُ ما قَبْلَهُ، فيَجِبُ أن يكونَ الدِّرْهَمُ الذي أَضْرَبَ عنه غيرَ الدِّرْهَمِ (١٦) الذي أقَرَّ به بعدَه، فيَجِبُ الاثْنَانِ، كما لو قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ، بل دِينَارٌ. ولأنَّ "بَلْ" من حُرُوفِ العَطْفِ، والمَعْطُوفُ [غيرُ المَعْطُوفِ] (١٧) عليه، فوَجَبَا جَمِيعًا، كما لو قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ (١٨). ولأنَّا لو لم نُوجِبْ عليه إلَّا دِرْهَمًا، جَعَلْنَا كَلَامَهُ لغوًا، وإضْرَابَهُ عنه (١٩) غيرَ مُفِيدٍ، والأَصْلُ في كَلَامِ العاقِلِ أن يكونَ مُفِيدًا. ولو كان الذي أَضْرَبَ عنه لا يُمْكِنُ أن يكونَ المَذْكُورَ بعدَه، ولا بعضَه، مثل أن يقولَ: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ، بل دِينَارٌ أو دِينَارَانِ. أو: له علَىَّ قَفِيزُ حِنْطَةٍ، بل قَفِيزُ شَعِيرٍ. أو: هذا الدِّرْهَمُ، بل هَذَانِ. لَزِمَهُ الجَمِيعُ، بغير خِلَافٍ عَلِمْناهُ؛ لأنَّ الأَوَّلَ لا يُمْكِنُ أن يكونَ الثانىَ ولا بعضَه، فكان مُقِرًّا بهما، ولا يُقْبَلُ رُجُوعُه عن شيءٍ منهما. وكذلك كلُّ جُمْلَتَيْنِ أقَرَّ بإِحْدَاهما ثم


(١٤) في أ، ب: "بمعنى".
(١٥) في الأصل، ب، م: "ونقيضه".
(١٦) سقط من: الأصل.
(١٧) سقط من: الأصل.
(١٨) في أ: "ودرهم".
(١٩) سقط من: أ، ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>