للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِقْرَارِ على أمْرٍ لا يُعْلَمُ، فلم يَرْتَفِعْ. وإن قال: لَكَ عَلَىَّ أَلْفٌ، إن شِئْتَ، أو إن شَاءَ زَيْدٌ. لم يَصِحَّ الإِقْرَارُ. وقال القاضي: يَصِحُّ؛ لأنَّه عَقَّبَهُ بما يَرْفَعُه، فصَحَّ الإِقْرَارُ دُونَ ما يَرْفَعُه، كاسْتِثْنَاءِ الكُلِّ، وكما لو قال: إن شَاءَ اللهُ. ولَنا، أنَّه عَلَّقَهُ على شَرْطٍ يُمْكِنُ عِلْمُه، فلم يَصِحَّ، كما لو قال: له عَلَىَّ أَلْفٌ، إن شَهِدَ بها فُلَانٌ. وذلك لأنَّ الإِقْرَارَ إِخْبَارٌ بِحَقٍّ سابِقٍ، فلا يَتَعَلَّقُ على شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ. ويُفَارِقُ التَّعْلِيقَ على مَشِيئَةِ اللهِ تعالى، فإنَّ مَشِيئَةَ اللهِ تعالى تُذْكَرُ في الكَلَامِ تَبَرُّكًا وَصِلَةً وتَفْوِيضًا إلى اللَّه تعالى، لا لِلاشْتِرَاطِ، كقَوْلِ اللهِ تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} (١٩). وقد عَلِمَ اللهُ أنَّهم سَيَدْخُلُونَ بغير شَكٍّ. ويقولُ (٢٠) الناسُ: صَلَّيْنَا إن شَاءَ اللهُ تعالى. مع تَيَقُّنِهِمْ صَلَاتَهُم، بِخِلَافِ مَشِيئَةِ الآدَمِىِّ. الثاني، أنَّ مَشِيئَةَ اللهِ تعالَى لا تُعْلَمُ إلَّا بِوُقُوعِ الأَمْرِ، فلا يُمْكِنُ وَقْفُ الأَمْرِ على وُجُودِها، ومَشِيئَةُ الآدَمِىِّ يُمْكِنُ العِلْمُ بها، فيُمْكِنُ جَعْلُها شَرْطًا. يَتَوَقَّفُ الأَمْرُ على وُجُودِهَا، والماضِى لا يمْكِنُ وَقْفُه، فيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الأَمْرِ ههُنا على المُسْتَقْبَلِ، فيكونُ وَعْدًا لا إِقْرَارًا. وإن قال: بِعْتُكَ إن شاءَ اللهُ تعالى، أو زَوَّجْتُكَ إن شاءَ اللهُ تعالى. فقال أبو إسحاقَ بن شَاقْلَا: لا أعْلَمُ خِلَافًا عنه في أنَّه إذا قِيلَ له: قَبِلْتَ هذا النِّكَاحَ؟ فقال: نعم إن شاءَ اللَّه تعالى. أنَّ النِّكَاحَ وَقَعَ به. قال أبو حنيفةَ: ولو قال: بِعْتُكَ بأَلْفٍ إن شِئْتَ. فقال: قد شِئْتُ وقَبِلْتُ. صَحَّ؛ لأنَّ هذا الشَّرْطَ من مُوجِبِ العَقْدِ ومُقْتَضَاهُ، فإنَّ الإِيجَابَ إذا وُجِدَ من البائِعِ كان القَبُولُ إلى مَشِيئَةِ المُشْتَرِى واخْتِيَارِه. وإن قال: له عَلَىَّ ألْفَانِ (٢١) إن قَدِمَ فُلَانٌ. لم يَلْزَمْهُ؛ لأنَّه لم يُقِرَّ بها في الحالِ، وما لا يَلْزَمُه في الحالِ، لا يَصِيرُ واجِبًا عند


(١٩) سورة الفتح ٢٧.
(٢٠) في ب: "وقول".
(٢١) في الأصل: "ألف". وسقط من: أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>