للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو قولُ أبي حنيفةَ، والشّافِعِىِّ. وهو أصَحُّ إن شاءَ اللَّه تعالى؛ لأنَّ الحَيَوانَ ليس بمِثْلِىٍّ، فيُضْمَنُ بقِيمَتِه كسائِرِ المُتَقَوَّمَاتِ، ولأنَّه لو أَتْلَفَه ضَمِنَهُ بقِيمَتِه. وقد ذَكَرْنا وَجْهَ هذه الأَقْوَالِ في غير هذا المَوْضِعِ. وقولُ الخِرَقِيِّ: "رَجَعَ بذلك كلِّه على الغاصِبِ". يَعْنِى بالمَهْرِ، وما فَدَى به الأَوْلَادَ؛ لأنَّ المُشْتَرِىَ دَخَلَ على أن يُسَلِّمَ له الأَوْلَادَ، وأن يَتَمَكّنَ من الوَطْءِ بغيرِ عِوَضٍ، فإذا لم يُسَلِّمْ له ذلك، فقد غَرَّهُ البائِعُ، فرَجَعَ به عليه. فأمَّا الجارِيَةُ إذا رَدَّها لم يَرْجِعْ بِبَدَلِها؛ لأنَّها مِلْكُ المَغْصُوبِ منه رَجَعَتْ إليه، لكنَّه يَرْجِعُ على الغاصِبِ بالثَّمَنِ الذي أَخَذَه منه. وإن كانت قد أقامَتْ عندَه مُدَّةً لمِثْلِها أجْرٌ في تلك المُدَّةِ، فعليه أَجْرُهَا. وإن اغْتَصَبَها بِكْرًا، فعليه أَرْشُ بَكَارَتِها. وإن نَقَصَتْها الوِلَادَةُ أو غيرُها، فعليه أَرْشُ نَقْصِها. وإن تَلِفَتْ في يَدِه، فعليه قِيمَتُها. وكلُّ ضَمَانٍ يَجِبُ على المُشْتَرِى، فلِلْمَغْصُوبِ منه أن يَرْجِعَ به على من شَاءَ منهما؛ لأنَّ يَدَ الغاصبِ سَبَبُ يَدِ المُشْتَرِى. وما وَجَبَ على الغاصِبِ، من أَجْرِ المُدَّةِ التي كانت في يَدِه، أو نَقْصٍ حَدَثَ عنده، فإنَّه يَرْجِعُ به على الغاصِبِ وحدَه؛ لأنَّ ذلك كان قبلَ يَدِ المُشْتَرِى. فإذا طَالَبَ المالِكُ (٦) المُشْتَرِىَ بما وَجَبَ في يَدِه، وأخَذَه منه، فأرَادَ المُشْتَرِى الرُّجُوعَ به على الغاصِبِ، نَظَرْتَ؛ فإن كان المُشْتَرِى حين الشِّراءِ عَلِمَ أنَّها (٧) مَغْصُوبةً، لم يَرْجِعْ بشيءٍ؛ لأنَّ مُوجِبَ الضَّمانِ وُجِدَ في يَدِه من غيرِ تَغْرِيرٍ، وإن لم يَعْلَمْ، فذلك على ثلاثةِ أَضْرُبٍ؛ ضَرْبٌ لا يَرْجِعُ به، وهو قِيمَتُها إن تَلِفَتْ في يَدِه، وأَرْشُ بَكَارَتِها، وبَدَلُ جُزْءٍ من أَجْزَائِها؛ لأنَّه دَخَلَ مع البائِعِ على أنَّه يكونُ ضَامِنًا لذلك بالثَّمَنِ، فإذا ضَمِنَهُ لم يَرْجِعْ به. وضَرْبٌ يَرْجِعُ به، وهو بَدَلُ الوَلَدِ إذا وَلَدَتْ منه؛ لأنَّه دَخَلَ معه في العَقْدِ على أن لا يكونَ الوَلَدُ مَضْمُونًا عليه، ولم يَحْصُلْ من جِهَتِه إِتْلَافٌ، وإنَّما الشّرْعُ أَتْلَفَهُ بِحُكْمِ بَيْعِ الغاصِبِ منه، وكذلك نَقْصُ الوِلَادَةِ. وضَرْبٌ اخْتُلِفَ فيه، وهو مَهْرُ مِثْلِها وأَجْرُ نَفْعِها، فهل يَرْجِعُ به على الغاصِبِ؟ فيه رِوَايتَانِ؛


(٦) سقط من: الأصل.
(٧) في م زيادة: "غير".

<<  <  ج: ص:  >  >>