للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما رُوِىَ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال: "لا شُفْعَةَ في فِنَاءٍ، ولَا طَرِيقٍ، ولَا مَنْقَبَةٍ" (٣٠). والمَنْقَبَةُ: الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ. رَوَاهُ أبو الخَطَّابِ في "رُءُوسِ المسَائِلِ". وروى عن عُثْمانَ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه قال: لا شُفْعَةَ في بِئْرٍ ولا فَحْلٍ (٣١). ولأنَّ إِثْبَاتَ الشُّفْعَةِ في هذا يَضُرُّ بالبائِعِ؛ لأنَّه لا يُمكِنُه أن يَتَخَلَّصَ من إِثْباتِ الشُّفْعَةِ في نَصِيبِه بالقِسْمَةِ، وقد يَمْتَنِعُ المُشْتَرِى لأَجْلِ الشَّفِيعِ، فيَتَضَرَّرُ البائِعُ، وقد يَمْتَنِعُ البَيْعُ، فتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ، فيُؤَدِّى إِثْبَاتُها إلى نَفْيِها. ويُمْكِنُ أن يُقَالَ: إنَّ الشُّفْعَةَ إنَّما تَثْبتُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الذي يَلْحَقُه بالمُقَاسَمَةِ، لما يَحْتَاجُ إليه من إِحْدَاثِ المرَافِقِ الخاصَّةِ، ولا يُوجَدُ هذا فيما لا يَنْقَسِمُ. وقولُهم: إن الضَّرَرَ ههُنا أكْثَرُ لتَأَبُّدِه. قُلْنا: إلَّا أنَّ الضَّرَرَ في مَحلِّ الوِفَاقِ من غيرِ جِنْسِ هذا الضَّرَرِ، وهو ضَرَرُ الحاجَةِ إلى إِحْدَاثِ المَرافِقِ الخاصَّة، فلا يُمْكِنُ التَّعْدِيَةُ، وفى الشُّفْعَةِ ههُنا ضَرَرٌ غيرُ مَوْجُودٍ في مَحلِّ الوِفَاقِ (٣٢)، وهو ما ذَكَرْنَاهُ، فتَعَذَّرَ الإِلْحاقُ، فأمَّا ما أمْكَنَ قِسْمَتُه ممَّا ذَكَرْنا، كالحَمّامِ الكَبِيرِ الواسِعِ البُيُوتِ، بحيثُ إذا قُسِّمَ لم يُسْتَضَرَّ بالقِسْمَةِ، وأمْكنَ الانْتِفَاعُ به حَمَّامًا، فإنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ فيه، وكذلك البِئْرُ والدُّورُ والعَضَائِدُ، متى أمْكنَ أن يَحْصُلَ من ذلك شَيْئانِ، كالبِئْرِ يَنْقَسِمُ بِئْرَيْنِ يَرْتَقِى الماءُ منهما، وَجَبَتِ (٣٣) الشُّفْعَةُ. وكذلك إن كان مع البئْرِ بَيَاضُ أرْضٍ، بحيثُ يَحْصُلُ البِئْرُ في أحَدِ النَّصِيبَيْنِ، وَجَبَتِ الشُّفْعَةُ أيضًا؛ لأنَّه تُمْكِنُ القِسْمَةُ. وهكذا الرَّحَى إن كان لها حِصْنٌ يُمْكِنُ قِسْمَتُه، بحيثُ يَحْصُلُ، الحَجَرانِ (٣٤) في أحَدِ القِسْمَيْنِ، أو كان فيها أَرْبَعَةُ أَحْجَارٍ دَائِرَةٌ، يُمْكِنُ أن يَنْفَرِدَ كلُّ واحدٍ منهما بِحَجَرَيْنِ، وَجَبَتِ الشُّفْعَةُ. وإن لم يُمْكِنْ إلَّا أن يَحْصُلَ لكلِّ واحدٍ منهما ما لا (٣٥)


(٣٠) أخرجه بنحوه عبد الرزاق، في: باب هل في الحيوان أو البئر أو النخل أو الدين شفعة، من كتاب البيوع. المصنف ٨/ ٧٨.
(٣١) سقط من: الأصل، ب.
(٣٢) في ب: "النزاع".
(٣٣) في الأصل: "أوجبت".
(٣٤) في م: "الحجر".
(٣٥) في م: "لم".

<<  <  ج: ص:  >  >>