للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه. ومنها، أن يكونَ غائِبًا فيُقَاسِمَه وَكِيلُه، أو صَغِيرًا فيُقَاسِمَه وَلِيُّه، ونحو ذلك، ثم يَقْدَمُ الغائِبُ، أو يَبْلُغُ الصَّغِيرُ، فيَأْخُذُ بالشُّفْعةِ. وكذلك إن كان غائِبًا أو صَغِيرًا، فطَالَبَ المُشْتَرِى الحاكِمَ بالقِسْمَةِ، فقاسَمَ، ثم قَدِمَ الغائِبُ، وبَلَغَ الصَّغِيرُ، فأخَذَه بالشُّفْعةِ بعدَ غَرْسِ المُشْتَرِى وبِنَائِه، فإنَّ لِلمُشْتَرِى قَلْعَ غَرْسِه وبِنَائِه، إن اخْتَارَ ذلك؛ لأنَّه مِلْكُه، فإذا قَلَعَهُ فليس عليه تَسْوِيَةُ الحَفْرِ، ولا نَقْصُ الأرْضِ. ذَكَرَه القاضي. وهو مذهبُ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّه غَرَسَ وبَنَى في مِلْكِه، وما حَدَثَ من النَّقْصِ إنَّما حَدَثَ في مِلْكِه، وذلك مما لا يُقَابِلُه ثمَنٌ. وظاهِرُ كلامِ (١) الخِرَقِىِّ أنَّ عليه ضَمَانَ النَّقْصِ الحاصِلِ بالقَلْعِ؛ لأنَّه اشْتَرَطَ في قَلْعِ الغَرْسِ والبِنَاءِ عَدَمَ الضَّرَرِ، وذلك لأنَّه نَقْصٌ دَخَلَ على مِلْكِ غيرِه لأجْلِ تَخْلِيصِ مِلْكِه، فلَزِمَهُ (٢) ضَمَانُه، كما لو كَسَرَ مِحْبَرةَ غيرِه لإِخْراجِ دِينَارِه منها. وقولُهم: إنَّ النَّقْصَ حَصَلَ في مِلْكِه. ليس كذلك؛ فإنَّ النَّقْصَ الحاصِلَ بالقَلْعِ إنَّما هو في مِلْكِ الشَّفيعِ. فأمَّا نَقْصُ الأَرْضِ الحَاصِلُ بالغَرْسِ والبِنَاءِ فلا يَضْمَنُه؛ لما ذَكَرُوه. فإن لم يَخْتَرِ المُشْتَرِى القَلْعَ، فالشَّفِيعُ بالخِيَارِ (٣) بين ثلاثةِ أشْيَاء؛ تَرْكِ الشُّفْعةِ، وبين دَفْعِ قِيمَةِ الغِرَاسِ والبِنَاءِ فيَمْلِكُه مع الأرْضِ، وبين قَلْعِ الغَرْسِ والبِنَاءِ، ويَضْمَنُ له ما نَقَصَ بالقَلْعِ. وبهذا قال الشَّعْبِىُّ، والأوْزاعِىُّ، وابنُ أبي لَيْلَى، ومالِكٌ، واللَّيْثُ، والشَّافِعِىُّ، والْبَتِّىُّ، وسَوَّارٌ، وإسحاقُ. وقال حَمَّادُ بن أبي سليمانَ، والثَّوْرِيُّ، وأصْحابُ الرَّأْى: يُكَلَّفُ المُشْتَرِى القَلْعَ، ولا شىءَ له؛ لأنَّه بَنَى فيما اسْتَحَقَّ غيرُه أخْذَه، فأشْبَهَ الغاصِبَ، ولأنَّه بَنَى في حَقِّ غيرِه بغيرِ إذْنِه، فأشْبَهَ ما لو بانَتْ مُسْتَحَقَّةً. ولَنا، قولُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ" (٤). ولا يَزُولُ الضَّرَرُ عنهما إلَّا بذلك، ولأنَّه بَنَى في مِلْكِه الذي تَمَلَّكَ بَيْعَه، فلم يُكَلَّفْ قَلْعَه مع الإِضْرارِ، كما لو لم يكُنْ مَشْفُوعًا. وفارَقَ ما قاسُوا عليه، فإنَّه بَنَى في مِلْكِ غيرِه، ولأنَّه


(١) في ب: "قول".
(٢) في الأصل: "فعليه".
(٣) في الأصل: "مخير".
(٤) تقدم تخريجه في: ٤/ ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>