للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، ولم يُخَالِفْ فيه منهم أحدٌ، فكيف يجوزُ نَسْخُهُ، [ومتى كان نَسْخُه] (١٧)؟ فإن كان نُسِخَ في حياةِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكيف عُمِلَ به بعدَ نَسْخِه، وكيف خَفِى نَسْخُه، فلم يَبْلُغْ خُلَفَاءَه، مع اشْتِهارِ قِصَّةِ خَيْبَرَ، وعَمَلِهِم فيها؟ فأين كان راوِى النَّسْخِ، حتى لم يَذْكُرْه، ولم يُخْبِرْهُم به؟ فأمَّا ما احْتَجُّوا به، فالجوابُ عن حَدِيثِ رافِعٍ، من أرْبَعةِ أوْجُهٍ؛ أحدُها، أنَّه قد فَسَّرَ المَنْهِىَّ عنه في حَدِيثِه بما لا يُخْتَلَفُ في فَسَادِه، فإنَّه قال: كُنَّا من أكْثَرِ الأنْصارِ حَقْلًا، فكُنَّا نُكْرِى الأرْضَ على أنَّ لنا هذه، ولهم هذه، فربَّما أَخْرَجَتْ هذه ولم تُخْرِجْ هذه، فنَهانَا عن ذلك، فأمَّا بالذَّهَبِ والوَرِقِ، فلم يَنْهَنَا، مُتَّفَقٌ عليه (١٨). وفى لَفْظٍ: فأمَّا بشَىْءٍ (١٩) مَعْلُومٍ مَضْمُونٍ، فلا بَأْسَ. وهذا خارِجٌ عن مَحلِّ الخِلَافِ، فلا دَلِيلَ فيه عليه، ولا تَعَارُضَ بين الحَدِيثَيْنِ. الثاني، أنَّ خَبَرَه وَرَدَ في الكِرَاءِ بِثُلُثٍ أو رُبْعٍ، والنِّزَاعُ في المُزَارَعةِ، ولم يَدُلَّ حَدِيثُه عليها أصْلًا، وحَدِيثُه الذي فيه المُزَارَعةُ يُحْمَلُ على الكِرَاءِ أيضًا؛ لأنَّ القِصَّةَ واحِدَةٌ، رُوِيَتْ بألْفَاظٍ مُخْتَلِفَة، فيَجِبُ تَفْسِيرُ أحدِ اللَّفْظَيْنِ بما يُوافِقُ الآخَرَ. الثالث، أنَّ أحَادِيثَ رافِعٍ مُضْطَرِبَةٌ جِدًّا، مُخْتَلِفَةٌ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. يُوجِبُ تَرْكَ العَمَلِ بها لو انْفَرَدَتْ، فكيفَ يُقَدَّمُ على مثلِ حَدِيثِنا؟ قال الإِمامُ أحمدُ: حَدِيثُ رافِعٍ أَلْوانٌ. وقال أيضًا: حَدِيثُ رافِعٍ ضُرُوبٌ. وقال ابنُ المُنْذِرِ: قد جاءتِ الأخْبارُ عن رافِعٍ بِعِلَلٍ تَدُلُّ على أنَّ النَّهْىَ كان لذلك، منها، الذي ذَكَرْناه، ومنها خَمْسٌ أُخْرَى. وقد أنْكَرَه فَقِيهانِ من فُقَهاءِ الصَّحابةِ؛ زَيْدُ بن ثابِتٍ، وابنُ عَبّاسٍ. قال زَيْدُ بن ثابتٍ: أنا أعْلَمُ بذلك منه، وإنَّما سَمِعَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَجُلَيْنِ قد اقْتَتَلا، فقال: "إنْ كَانَ هذَا شَأْنَكُمْ، فَلَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ". رَوَاه أبو دَاوُدَ والأثْرَمُ (٢٠). ورَوَى البُخَارِىُّ (٢٠)، عن عَمْرِو بن دِينارٍ،


(١٧) سقط من: ب.
(١٨) تقدم تخريجه في صفحة ٥٢٨.
(١٩) في ب، م: "شيء".
(٢٠) تقدم التخريج في صفحة ٥٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>