للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكونُ له الأرْضُ فيها نَخْلٌ وشَجَرٌ، يَدْفَعُها إلى قَوْمٍ يَزْرَعُونَ الأرْضَ ويَقُومونَ على الشَّجَرِ، على أنَّ له النِّصْفَ، ولهم النِّصْفَ: فلا بَأْسَ بذلك، وقد دَفَعَ النبيُّ (١) -صلى اللَّه عليه وسلم- خَيْبَرَ على هذا (٢). فأجازَ دَفْعَ الأرْضِ لِزَرْعِها من غيرِ ذِكْرِ البَذْرِ. فعلى هذا أيُّهما أخْرَجَ البَذْرَ، جازَ. ورُوِى (٣) ذلك عن عُمَرَ بن الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّه عنه (٤). وهو قولُ أبى يوسفَ، وطَائِفَةٍ من أهْلِ الحَدِيثِ، وهو الصَّحِيحُ إن شاءَ اللهُ تعالى. ورُوِى عن سَعْدٍ، وابن مَسْعُودٍ، وابنِ عمرَ، أن البَذْرَ من العامِلِ. ولعلَّهم أرادُوا أنَّه يجوزُ أن يكونَ من العامِلِ، فيكونُ كقولِ عمرَ، ولا يكونُ قولًا ثالِثًا. والدَّلِيلُ على صِحَّةِ ما ذَكَرْنا، قولُ ابنِ عمرَ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وأرْضَها، على أن يَعْمَلُوها من أمْوالِهِم، ولِرسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شَطْرُ ثَمَرِهَا. وفى لَفْظٍ: على أن يَعْمَلُوها، ويَزْرَعُوها، ولهم شَطْرُ ما يَخْرُجُ منها. أخْرَجَهُما البُخَارِىُّ (٥). فجَعَلَ عَمَلَها من أمْوالِهِم، وزَرْعَها عليهم، ولم يَذْكُرْ شَيْئًا آخَرَ، وظاهِرُه أن البَذْرَ من أهْلِ خَيْبَرَ، والأصْلُ المُعَوَّلُ عليه في المُزَارَعةِ قِصَّةُ (٦) خَيْبَرَ، ولم يَذْكُر النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّ البَذْرَ على المُسْلِمِينَ، ولو كان شَرْطًا لمَا أخَلَّ بِذكْرِه، ولو فَعَلَه النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصْحَابُه لَنُقِلَ، ولم يَجُزِ الإِخْلَالُ بِنَقْلِه. ولأنَّ عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، فَعَلَ الأمْرَيْنِ جَمِيعًا، فإنَّ البُخَارِىَّ رَوَى عنه، أنَّه عامَلَ النّاسَ على أنَّه (١) إن جاءَ عُمَرُ بالبَذْرِ من عندِه، فلَه الشَّطْرُ، وإن جاءُوا بالبَذْرِ فلهم كذا (٧)، فظاهِرُ هذا أنَّ ذلك اشْتَهَرَ فلم يُنْكَرْ، فكان إجْماعًا. فإن قيل: فهذا بمَنْزِلةِ


(١) سقط من: ب.
(٢) تقدم تخريجه في صفحة ٥٢٧.
(٣) في م زيادة: "نحو".
(٤) أخرجه البخاري في: باب المزارعة بالشطر ونحوه، من كتاب الحرث والمزارعة. صحيح البخاري ٣/ ١٣٧.
(٥) اللفظ الأول تقدم تخريجه في صفحة ٥٤١ والثانى في صفحة ٥٢٧.
(٦) في الأصل: "قضية".
(٧) هو الذي تقدم في أول المسألة.

<<  <  ج: ص:  >  >>