للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي بَاعَها. وإذا قَلَعَ، فعليه تَسْوِيَةُ الحَفْرِ؛ لأنَّه نَقْصٌ دَخَلَ على (٥٤) مِلْكِ غيرِه بغيرِ إذْنِه. وهكذا إن قَلَعَه قبلَ انْقِضَاءِ المُدّةِ ههُنا، وفي التي قبلَها؛ لأنَّ القَلْعَ قبلَ الوَقْتِ لم يَأْذَنْ فيه المالِكُ، ولأنَّه تَصَرَّفَ في الأرْضِ تَصَرُّفًا نَقَصَها، لم يَقْتَضِه عَقدُ الإِجَارَةِ. وإن أبَى القَلْعَ، لم يُجْبَرْ عليه، إلَّا أن يَضْمَنَ له المالِكُ نَقْصَ غَرْسِه، فيُجْبَرُ حينئذٍ. وبهذا قال الشافِعِيُّ. وقال أبو حَنِيفةَ، ومالِكٌ: عليه القَلْعُ من غيرِ ضَمانِ النَّقْصِ له؛ لأنَّ تَقْدِيرَ المُدَّةِ في الإِجَارَةِ يَقْتَضِى التَّفْرِيغَ عندَ انْقِضَائِها، كما لو اسْتَأْجَرَها لِلزَّرْعِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيْسَ لِعِرْقٍ ظالِمٍ حَقٌّ" (٥٥). مَفْهُومُه أنَّ ما ليس بِظَالِمٍ له حَقٌّ. وهذَا ليس بِظَالِمٍ، ولأنَّه غَرَسَ بإذْنِ المالِكِ، ولم يَشْرُطْ قَلْعَه، فلم يُجْبَرْ على القَلْعِ من غيرِ ضَمَانِ النَّقْصِ، كما لو اسْتَعارَ منه أرْضًا لِلْغَرْسِ مُدّةً، فرَجَعَ قبلَ انْقِضَائِها، ويُخَالِفُ الزَّرْعَ؛ فإنَّه لا يَقْتَضِى التَّأْبيدَ. فإن قيل: فإن كان إطْلَاقُ العَقْدِ في الغِرَاسِ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ، فشَرْطُ القَلْعِ (٥٦) يُنَافِي مُقْتَضَى العَقْدِ، فيَنْبَغِي أن يُفْسِدَه. قُلْنا: إنَّما اقْتَضَى التَّأْبِيدَ من حيثُ إنَّ العادَةَ في الغِرَاسِ التَّبْقِيةُ، فإذا أطْلَقَه حُمِلَ على العادَةِ، وإذا شَرَطَ خِلَافَه، جازَ، كما إذا باعَ بغير نَقْدِ البَلَدِ، أو شَرَطَ في الإِجارَةِ شَرْطًا يُخَالِفُ العادَةَ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّ رَبَّ الأرْضِ يُخَيَّرُ بين ثلاثةِ أشْيَاء؛ أحدها، أن يَدْفَعَ قِيمَةَ الغِرَاسِ والبِنَاءِ، فيَمْلِكَه مع أرْضِه. والثاني، أن يَقْلَعَ الغِرَاسَ والبِنَاءَ، ويَضْمَنَ أرْشَ نَقْصِه. والثالث، أن يُقِرَّ الغِرَاسَ والبِنَاءَ، ويَأْخُذَ منه أجْرَ المِثْلِ. وبهذا قال الشافِعِيُّ. وقال مالِكٌ: يُخَيَّرُ بين دَفْعِ قِيمَتِه فيَمْلِكُه، وبين مُطَالَبَتِه بالقَلْعِ من غيرِ ضَمَانٍ، وبين تَرْكِه، فيَكُونانِ شَرِيكَيْنِ. وليس بِصَحِيحٍ؛ لأنَّ الغِرَاسَ مِلْكٌ لِغَارِسِه، لم يُدْفَعْ إليه عنه عِوَضٌ، ولا رَضِىَ بِزَوَالِ مِلْكِه عنه [فلا يزُولُ عنه] (٥٧)، كسائِر الغَرْسِ. وإن اتّفَقَا على بَيْعِ الغِرَاسِ والبِنَاءِ لِلْمالِكِ، جازَ. وإن باعَهُما


(٥٤) في ب: "في".
(٥٥) تقدم تخريجه في: ٦/ ٥٥٨.
(٥٦) سقط من: ب.
(٥٧) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>