للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحْضَةٍ، فكان من شَرْطِه المَعْرِفَةُ لِلْمَعْقُودِ عليه، كالبَيْعِ. فأمَّا الجَمَّالُ فيَحْتَاجُ إلى مَعْرِفَةِ الرَّاكِبين، والآلةِ التي يَرْكَبُونَ فيها، من مَحْمِلٍ أو مَحَارَةٍ (٤) وغيرِها، وإن كان مِقْنَبًا (٥) ذكَرَه، وهل يكون مُغَطًّى أو مَكْشُوفًا، فإن كان مُغَطَّى احْتِيجَ إلى مَعْرِفَةِ الغِطَاءِ، ويَحْتاجُ إلى مَعْرِفَةِ الوِطَاءِ الذي يُوطَأُ به المَحْمِلُ، والمَعَالِيقِ التي معه من قِرْبَةٍ وسَطِيحَةٍ وسُفْرَةٍ ونحوها، وذِكْرِ سائِر ما يَحْمِلُ معه. وبهذا قال الشافِعِيُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، إلَّا أن الشَّافِعِىَّ قال: يجوزُ إطْلَاقُ غِطَاءِ المَحْمِلِ؛ لأنَّه لا يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا. وحُكِى عنه في المَعَالِيقِ قولٌ، أنَّه يجوزُ إطْلَاقُها، وتُحْمَلُ على العُرْفِ. وحُكِى عن مالِكٍ، أنَّه يجوزُ إطْلَاقُ الرَّاكِبِينَ؛ لأنَّ أجْسَامَ النَّاسِ مُتَقَارِبَةٌ في الغالِبِ. وقال أبو حنيفةَ: إذا قال: في المَحْمِلِ رَجُلَانِ، وما يُصْلِحُهما من الوِطَاءِ والدُّثُرِ. جازَ اسْتِحْسانًا؛ لأنَّ ذلك يَتَقَارَبُ في العادَةِ، فحُمِلَ على العادَةِ، كالمَعَالِيقِ. وقال القاضي في غِطَاءِ المَحْمِلِ كقَوْلِ الشافِعِيِّ. ولَنا، أنَّ هذا يَخْتَلِفُ ويَتَبَايَنُ كَثِيرًا، فاشْتُرِطَتْ مَعْرِفَتُه، كالطَّعَامِ الذي يَحْمِلُ (٦) معه. وقولُهم: إن أجْسامَ الناسِ مُتَقَارِبَةٌ. لا يَصِحُّ؛ فإنَّ منهم الكَبِيرَ والصَّغِيرَ، والطَّوِيلَ والقَصِيرَ، والسَّمِينَ والهَزِيلَ، والذَّكَرَ والأُنْثَى، ويَخْتَلِفُونَ بذلك، ويَتَبَايَنُونَ كثيرًا، ويَتَفَاوَتُون أيضًا في المَعَالِيقِ، فمنهم من يُكْثِرُ الزَّادَ والحَوَائِجَ، ومنهم من يَقْنَعُ باليَسِيرِ، ولا عُرْفَ له يُرْجَعُ إليه، فاشْتُرِطَتْ مَعْرِفَتُه، كالمَحْمِلِ والأَوْطِئَةِ. وكذلك غِطَاءُ المَحْمِلِ، من النَّاسِ مَن يَخْتارُ الواسِعَ الثَّقِيلَ الذي يَشْتَدُّ على الحَمْلِ في الهَواءِ، ومنهم من يَقْنَعُ بالضَّيِّقِ (٧) الخَفِيفِ، فتَجِبُ مَعْرِفَتُه، كسائِرِ ما ذَكَرْنا. وأمَّا المُسْتَأْجِرُ، فيَحْتاجُ إلى مَعْرِفَةِ الدَّابَّةِ التي يَرْكَبُ عليها؛ لأنَّ الغَرَضَ يَخْتَلِفُ بذلك، وتَحْصُلُ بأحَدِ أمْرَيْنِ؛ إمَّا بالرُّؤُيةِ، فيَكْتَفِى بها؛ لأنَّها أعْلَى طُرُقِ العِلْمِ، إلَّا أن يكونَ ممَّا يَحْتَاجُ


(٤) المحارة: شبه الهودج.
(٥) المقنب: شبه مخلاة يجعل فيها الصائد ما يصيد.
(٦) في الأصل: "يحمله".
(٧) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>