للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيءٌ، فذَكَرْتُه للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "إنْ كَانَ ذلِكَ الطَّعَامُ طَعَامَهُ وطَعَامَ أَهْلِه، فَكُلْ مِنْهُ، وإنْ كَانَ يُتْحِفُكَ بهِ، فَلَا تَأْكُلْهُ". وعن عبدِ الرَّحْمن بن شِبْلٍ الأَنْصَارِىِّ، قال: سَمِعْتُ رسولُ اللهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "اقْرأُوا القُرْآنَ، ولَا تَغْلُوا فِيهِ، ولا تَجْفُوا عَنْهُ، ولَا تَأْكُلُوا بِهِ، ولَا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ" (٥٩). رَوَى هذه الأحَادِيثَ كلَّها الأثْرَمُ (٦٠)، في "سُنَنِه". ولأنَّ مِن شَرْطِ صِحَّةِ هذه الأفْعَالِ، كَوْنَها قُرْبةً إلى اللهِ تعالى، فلم يَجُزْ أخْذُ الأجْرِ عليها، كما لو اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يُصَلُّونَ خَلْفَه الجُمُعةَ أو التَّرَاوِيحَ. فأمَّا الأخْذُ على الرُّقْيَةِ، فإنَّ أحمدَ اخْتَارَ جوازَه، وقال: لا بَأْسَ. وذَكَرَ حَدِيثَ أبى سَعِيدٍ. والفَرْقُ بينَه وبين ما اخْتُلِفَ فيه، أنَّ الرُّقْيةَ نَوْعُ مُدَاوَاةٍ، والمَأْخُوذُ عليها جُعْلٌ، والمُدَاواةُ يُبَاحُ أخْذُ الأجْرِ عليها، والجَعَالَةُ أوْسَعُ من الإِجَارَةِ، ولهذا تجوزُ مع جَهَالَةِ العَمَلِ والمُدَّةِ. وقولُه عليه السلامُ: "أحَقُّ مَا أَخَذْتُم عَلَيْهِ أجْرًا كِتَابُ اللهِ". يَعْنى به الجُعْلَ أيضًا في الرُّقْيَةِ؛ لأنَّه ذَكَرَ ذلك (٦١) في سِيَاقِ خَبَرِ الرُّقْيةِ. وأما جَعْلُ التَّعْلِيمِ صَدَاقًا [فعنه فيه] (٦٢) اخْتِلَافٌ، وليس في الخَبَرِ تَصْرِيحٌ بأن التَّعْلِيمَ صَدَاقٌ، إنَّما قال: "زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ". فيَحْتَمِلُ أنَّه زَوَّجَهُ إيَّاها بغيرِ صَدَاقٍ، إكْرَامًا له، كما زَوَّجَ أبا طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ على إسْلَامِه (٦٣)، ونُقِلَ عنه جَوَازُه. والفَرْقُ بين المَهْرِ والأجْرِ، أنَّ المَهْرَ ليس بعِوَضٍ مَحْضٍ، وإنَّما وَجَبَ نِحْلةً وَوُصْلَةً، ولهذا جازَ خُلُوُّ العَقْدِ عن تَسْمِيَتِه، وصَحَّ مع فَسَادِه، بخِلَافِ الأجْرِ في غيرِه، فأمَّا الرِّزْقُ من بَيْتِ المالِ، فيجوزُ على ما يَتَعَدَّى نَفْعُه من هذه الأُمُورِ؛ لأنَّ بَيْتَ المالِ لِمَصَالِح المُسْلِمِينَ، فإذا كان بَذْلُه لمن يَتَعَدَّى نَفْعُه إلى المُسْلِمِينَ مُحْتاجًا إليه، كان من المَصَالِحِ، وكان للآخِذِ له أخْذُه؛ لأنَّه من أهْلِه، وجَرَى مَجْرَى الوَقْفِ على مَن يَقُومُ بهذه المَصَالِحِ، بخِلَافِ الأَجْرِ.


(٥٩) أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند ٣/ ٤٢٨، ٤٤٤.
(٦٠) في ب زيادة: "بإسناده".
(٦١) في م زيادة: "أيضًا".
(٦٢) في ب، م: "ففيه".
(٦٣) انظر: الإِصابة ٨/ ٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>