للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كبيرٍ مُبَاحٍ، فما لم يَتَّصِل الحَفْرُ لا يَمْلِكُه، وإِنَّما هو تَحَجُّرٌ وشُرُوعٌ في الإِحْياءِ، فإذا اتَّصَلَ الحَفْرُ، كَمُلَ الإِحْياءُ ومَلَكَه؛ لأنَّ المِلْكَ بالإِحْياءِ أن تَنْتَهِىَ العِمَارَةُ إلى قَصْدِها، بحيث يَتَكَرَّرُ الانْتِفاعُ بها على صُورَتِها، وهذا كذلك. وسواءٌ أجْرَى فيه الماءَ أو لم يُجْرِ؛ لأنَّ الإِحْياءَ يَحْصُلُ بأن يُهَيِّئَهُ لِلانْتِفاعِ به دُونَ حُصُولِ المَنْفَعةِ، فيَصِيرُ مالِكًا لِقَرَارِ النَّهْرِ وحَافَّتَيْهِ، وهَوَاؤُه حَقٌّ له، وكذلك حَرِيمُه، وهو مَلْقَى الطِّينِ من كلِّ جانِبٍ. وعند القاضِى أنَّ ذلك غيرُ مَمْلُوكٍ لِصَاحِبِ النَّهْرِ، وإنَّما هو حَقٌّ من حُقُوقِ المِلْكِ، وكذلك حَرِيمُ البِئْرِ. وهذا مذهبُ الشافِعِىِّ. وظاهِرُ قولِ الخِرَقِىِّ، أنَّه مَمْلُوكٌ لِصَاحِبِه؛ لقولِ رَسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ أَحْيَا أرْضًا لَمْ تُمْلَكْ، فَهِىَ لَهُ" (٧٥). وإحْياؤُها أن يُحَوِّطَ عليها حائِطًا، أو يَحْفِرَ فيها بِئْرًا، فيكون له خَمْسٌ وعِشْرُونَ ذِرَاعًا حَوَالَيْها، وحَرِيمُ النَّهْرِ يَجِبُ أن يكونَ كذلك. فإذا تَقَرَّرَ هذا، فكان النَّهْرُ لِجَماعةٍ، فهو بينهم على حَسَبِ العَمَلِ والنَّفَقَةِ؛ لأنَّه إنَّما مُلِكَ بِالعِمَارَةِ، والعِمَارَةُ بالنَّفَقَةِ، فإن كَفَى جَمِيعَهم، فلا كَلَامَ، وإن لم يَكْفِهِمْ، وتَرَاضَوْا على قِسْمَتِه بالمُهَايَأَةِ أو غيرِها، جازَ؛ لأنَّه حَقُّهُم، لا يَخْرُجُ عنهم. وإن تَشَاحُّوا في قِسْمَتِه، قَسَمَهُ الحاكِمُ بينهم على قَدْرِ أمْلَاكِهِم؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يَمْلِكُ من النَّهْرِ بِقَدْرِ ذلك، فتُؤْخَذُ خَشَبةٌ صُلْبَةٌ، أو حَجَرٌ مُسْتَوِى الطَّرَفَيْنِ والوَسَطِ، فيُوضَعُ على مَوْضِعٍ مُسْتَوٍ من الأرْضِ، في مُقَدَّمِ الماءِ، فيه حُزُوزٌ، أو ثُقُوبٌ مُتَسَاوِيةٌ في السَّعَةِ على قَدْرِ حُقُوقِهِم، يَخْرُجُ من كلِّ جُزْءٍ أَو ثُقبٍ إلى ساقِيةٍ مُفْرَدَةٍ لكلِّ واحدٍ منهم، فإذا حَصَلَ الماءُ في ساقِيَتِه انْفَرَدَ به، فإن كانت أمْلَاكُهُم مُخْتَلِفةً قُسِّمَ على قَدْرِ ذلك، فإذا كان لأحَدِهِمِ نِصْفُه، وللآخَرِ ثُلُثُه، وللثالثِ (٧٦) سُدُسُه، جُعِلَ فيه سِتّةُ ثُقُوبٍ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلاثَةٌ [تَصُبُّ في ساقِيَتِه، ولِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنانِ، ولِصَاحِبِ السُّدُسِ واحِدٌ] (٧٧). وإن كان لواحدٍ الخُمْسانِ، والباقِى لِاثْنَيْنِ يَتَسَاوَيانِ فيه، جُعِلَ


(٧٥) تقدم تخريجه في صفحة ١٤٥.
(٧٦) في ب، م: "وللآخر".
(٧٧) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>