للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو تَشَعَّبَ (٣) جَمِيعُه فلم تُمْكِنْ عِمَارَتُه ولا عِمَارَةُ بعضِه إلَّا بِبَيْعِ بعضِه، جازَ بَيْعُ بعضِه لِتُعَمَّرَ به بَقِيَّتُه. وإن لم يُمْكِن الانْتِفَاعُ بشيءٍ منه، بِيعَ جَمِيعُه. قال أحمدُ، في رِوَايةِ أبى دَاوُدَ: إذا كان في المَسْجِدِ خَشَبَتانِ، لهما قِيمَةٌ، جازَ بَيْعُهُما وصَرْفُ ثَمَنِهِما عليه. وقال، في رِوَايةِ صالحٍ: يُحَوَّلُ المَسْجِدُ خَوْفًا من اللُّصُوصِ، وإذا كان مَوْضِعُه قَذِرًا. قال القاضي: يعني إذا كان ذلك يَمْنَعُ من الصَّلَاةِ فيه. ونَصَّ على جَوَازِ بَيْعِ عَرْصَتِه، في رِوَايةِ عبدِ اللَّه، وتكونُ الشَّهَادَةُ في ذلك على الإِمَامِ. قال أبو بكرٍ: وقد رَوَى علىُّ بن سَعِيدٍ، أنَّ المَساجِدَ لا تُبَاعُ، وإنَّما تُنْقَلُ آلَتُها. قال: وبالقولِ الأوّلِ أقولُ؛ لإِجْماعِهِم على جَوَازِ بَيْعِ الفَرَسِ الحَبِيسِ (٤) - يعني المَوْقُوفَةَ على الغَزْوِ - إذا كَبِرَتْ، فلم تَصْلُحْ لِلْغَزْوِ، وأمكن الانْتِفاعُ بها في شيءٍ آخَرَ، مثل أن تَدُورَ في الرَّحَى، أو يُحْمَلَ عليها تُرَابٌ، أو تكونَ الرَّغْبَةُ في نِتَاجها، أو حِصَانًا يُتَّخَذُ لِلطِّرَاقِ، فإنَّه يجوزُ بَيْعُها، ويُشْتَرَى بِثَمَنِها ما يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ. نَصَّ عليه أحمدُ. وقال محمدُ بن الحَسَنِ: إذا خَرِبَ المَسْجِدُ أو الوَقْفُ، عَادَ إلى مِلْكِ واقِفِه؛ لأنَّ الوَقْفَ إنَّما هو تَسْبِيلُ المَنْفَعَةِ، فإذا زالَتْ مَنْفَعَتُه، زالَ حَقُّ المَوْقُوفِ عليه منه، فزَالَ مِلْكُه عنه. وقال مالِكٌ، والشافِعِىُّ: لا يجوزُ بَيْعُ شيءٍ من ذلك؛ لقولِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يُبَاعُ أصْلُها، ولا تُبْتَاعُ، ولا تُوهَبُ، ولا تُورَثُ" (٥). ولأنَّ ما لا يجوزُ بَيْعُه مع بَقَاءِ مَنَافِعِه، لا يجوزُ بَيْعُه مع (٦) تَعَطُّلِهَا، كالمُعْتَقِ، والمَسْجِدُ أشْبَهُ الأشْياءِ بالمُعْتَقِ. ولَنا، ما رُوِى أنَّ عمرَ رَضِىَ اللَّه عنه، كَتَبَ إلى سَعْدٍ، لمَّا بَلَغَهُ أنه قد نُقِبَ (٧) بَيْت المالِ الذي بالكُوفَةِ، أن (٨) انْقُل المَسْجِدَ الذي بالتَّمَّارِين، واجْعَلْ بَيْتَ


(٣) في الأصل: "تشعث".
(٤) في الأصل: "الحبس".
(٥) تقدم تخريجه في صفحة ١٨٤.
(٦) في م زيادة: "بقاء".
(٧) نقب؛ بفتح القاف: تخرَّق. ونُقِب؛ بالبناء للمجهول: نقبه بعض الناس.
(٨) سقط من: م.

<<  <  ج: ص:  >  >>