للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

له بمالٍ. ولَنا، أنَّ دَعْوَاهُما تَعَارَضَتَا، ولا حُجَّةَ لواحدٍ منهما، فلم تَثْبُتْ، كما لو ادَّعَيَا رِقَّهُ. وقولُهم: يَمِيلُ بِطَبْعِه (٦٠) إلى قَرَابَتِه. قُلْنا: إنَّما يَمِيلُ إلى قَرَابَتِه بعدَ مَعْرِفَتِه بأنَّها قَرَابَتُه، فالمَعْرِفَةُ بذلك سَبَبُ المَيْلِ، [فلا يثبُتُ] (٦١) قبلَه، ولو ثَبَتَ أنَّه يَمِيلُ إلى قَرَابَتِه، لكنَّه قد يَمِيلُ إلى مَن أحْسَنَ إليه، فإن القُلُوبَ جُبِلَتْ على حُبِّ مَنْ أحْسَنَ إليها، وبُغْضِ مَنْ أسَاءَ إليها، وقد يَمِيلُ إليه لإِسَاءةِ الآخَر إليه، وقد يَمِيلُ إلى أَحْسَنِهِما خُلُقًا أو أعْظَمِهما قَدْرًا أو جَاهًا أو مالًا، فلا يَبْقَى لِلْمَيْلِ أثَرٌ في الدَّلَالَةِ على النَّسَبِ. وقولُهم: إنَّه صَدَّقَ المُقِرَّ بِنَسَبِه. قُلْنا: لا يَحِلُّ له تَصدِيقُه، فإنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَعَنَ من ادَّعَى إلى غير أبيه، أو تَوَلَّى غيرَ مَوَالِيه (٦٢). وهذا لا يَعْلَمُ أنَّه أبُوه، فلا يَأْمَنُ أن يكونَ مَلْعُونًا بِتَصْدِيقِه، ويُفَارِقُ ما إذا انْفَرَدَ، فإنَّ المُنْفَرِدَ يثْبُتُ (٦٣) النَّسَبُ بقَوْلِه من غيرِ تَصْدِيقٍ. وأمَّا قولُ عمرَ: وَالِ أيَّهما (٦٤) شِئْتَ. فلم يَثبُتْ، ولو ثَبَتَ لم يكُنْ فيه حُجَّةٌ؛ فإنَّه إنَّما أمَرَه بالمُوَلَاةِ، لا بالانْتِسَابِ. وعلى قولِ من جَعَلَ له الانْتِسابَ إلى أحَدِهِما، لو انْتَسَبَ إلى أحَدِهِما، ثم عادَ وانْتَسَبَ إلى الآخَر، ونَفَى (٦٥) نَسَبَه من الأَوّل، أو لم يَنْتَسِبْ إلى أحدٍ (٦٦)، لم يُقْبَلْ منه؛ لأنَّه قد ثَبَتَ نَسَبُه، فلا يُقْبَلُ رُجُوعُه عنه، كما لو ادَّعَى مُنْفَرِدٌ نَسَبَه ثم أنْكَرَه، ويُفَارِقُ الصَّبِىَّ الذي يُخَيَّرُ بين أبَويْهِ، فيَخْتَارُ أحَدَهُما، ثم يَرُدُّ إلى (٦٧) الآخَرِ، إذا اخْتَارَه، فإنَّه لا حُكْمَ لقولِ الصَّبِىِّ، وإنَّما تَبِعَ اخْتِيَارَه وشَهْوَتَه، فأشْبَهَ ما لو اشْتَهَى طَعَامًا في يَوْمٍ، ثم اشْتَهَى غيرَه في يومٍ


(٦٠) في الأصل: "طبعه".
(٦١) في م: "ولا سبب".
(٦٢) أخرجه ابن ماجه، في: باب من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه ٢/ ٨٧٠.
(٦٣) في م: "ثبت".
(٦٤) في م: "من".
(٦٥) في الأصل: "أو نفى".
(٦٦) في م: "واحد".
(٦٧) سقط من: الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>