للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما قامَ مَقامَه من الأخْذِ والفِعْلِ الدّالِّ على الرِّضَى، كقولنا في الهِبَةِ والبَيْعِ. ويجوزُ القَبُولُ على الفَوْرِ والتَّرَاخِى. ولا يكونُ إلَّا بعد مَوْتِ المُوصِى؛ لأنَّه قبلَ ذلك لم يَثْبُتْ له حَقٌّ, ولذلك لم يَصِحَّ رَدُّه. فإذا قَبِلَ، ثَبَتَ المِلْكُ له من (٧) حينِ القَبُولِ، في الصَّحِيحِ من المَذْهَبِ. وهو قولُ مالِكٍ، وأهْلِ العِرَاقِ. ورُوِىَ عن الشافِعِىِّ. وذَكَرَ أبو الخَطَّابِ في المَسْألةِ وَجْهًا آخَرَ، أنَّه إذا قَبِلَ، تَبَيَّنَّا أن المِلْكَ ثَبَتَ (٨) حين مَوْتِ المُوصِى. وهو ظاهِرُ مَذْهَبِ الشافِعِىِّ؛ لأنَّ ما وَجَبَ انْتِقالُه بالقَبُولِ، وَجَبَ انْتِقالُه من جِهَةِ المُوجِبِ عندَ الإِيجابِ، كالهِبَةِ والبَيْعِ، ولأنَّه لا يجوزُ أن يَثْبُتَ المِلْكُ فيه للوارِثِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (٩). ولأنَّ الإِرْثَ بعدَ الوَصِيَّةِ، ولا يَبْقَى لِلْمَيِّتِ؛ لأنَّه صارَ جَمَادًا لا يَمْلِكُ شيئًا. وللشافِعِىِّ قولٌ ثالثٌ غيرُ مَشْهُورٍ، أنَّ الوَصِيَّةَ تُمْلَكُ بالمَوْتِ، ويُحكَمُ بذلك قبلَ القَبُولِ؛ لما ذَكَرْنا. ولَنا، أنه تَمْلِيكُ (١٠) عَيْنٍ لِمُعَيَّنٍ يَفْتَقِرُ إلى القَبُولِ، فلم يَسْبِق المِلْكُ القَبُولَ، كسائِرِ العُقُودِ، ولأنَّ القَبُولَ من تَمامِ السَّبَبِ، والحُكْمُ لا يَتَقَدَّمُ سَبَبَه، ولأنَّ القَبُولَ لا يَخْلُو من أن يكونَ شَرْطًا أو جُزْءًا من السَّبَبِ، والحُكْمُ لا يَتَقَدَّمُ سَبَبَه ولا شَرْطَه، ولأنَّ المِلْكَ في الماضِى لا يجوزُ تَعْلِيقُه بشَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ. فإن قيل: فلو قال لِامْرَأتِه: أنْتِ طالِقٌ قبلَ مَوْتِى بِشَهْرٍ. ثم ماتَ، تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ قبلَ مَوْتِه بِشَهْرٍ. قُلْنا: ليس هذا شَرْطًا في وُقُوعِ الطَّلاقِ، وإنَّما تَبَيَّنَ به الوَقْتُ الذي يَقَعُ فيه الطَّلَاقُ. ولو قال: إذا مِتُّ فأنْتِ طالِقٌ قبلَه بِشَهْرٍ. لم يَصِحَّ. وأمَّا انْتِقالُه من جِهَةِ المُوجِبِ في سائِرِ العُقُودِ، فإنَّه لا يَنْتَقِلُ إلَّا بعدَ القَبُولِ، فهو كمَسْأَلَتِنا، غيرَ أنَّ ما بين الإِيجابِ والقَبُولِ ثَمَّ يَسِيرٌ،


(٧) سقط من: الأصل، أ.
(٨) في م: "يثبت".
(٩) سورة النساء ١١.
(١٠) في م: "تملك".

<<  <  ج: ص:  >  >>